د.صالح العبدالواحد
لا شك أن مهمة المديفر وضيوفه بعد لقاء صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان الذي جاء في لقاء مفتوح وفي حلقة استثنائية، ستكون مهمة أصعب بمراحل.
أنا لا أتحدث عن حضور صاحب السمو المبهر، بل تلك الإجابات الشافية لأي استفسار يخطر في بال المشاهد والتي أبدع المديفر في طرحها.
المديفر سأل جميع الأسئلة، وسمو الأمير أجاب عنها بكل ما يروي شغف المهتم. من هنا تأتي الصعوبة لأي ضيف يأتي في أي حلقة بعد سموه حيث يجب أن يملك القدرة على جذب المشاهد وإعطاء الإجابات المقنعة دائمًا، وفورًا.
ما لم يقله الأمير كذلك كان حاضرًا لكل مهتم، هناك إشارة لكل متابع متخصص، وتوجيه ضمني لكل مسؤول، وهنا مثالان فقط حيث إن الحلقة مليئة بالشواهد الرائعة.
وإذا كان التعليم والصحة هما هاجس النمو لدى جميع الدول فقد رسم سمو الأمير خطة رائعة للتنفيذ ووضع أسس المتابعة الدقيقة للقائمين على مؤسستين مهمتين في البلاد ليشكلا أنموذجًا يحتذى به من قبل باقي المؤسسات.
فعلى سبيل المثال تحدث سمو الأمير عن التعليم، إلى أن وصل في رؤيته التي تهدف تطوير التعليم العالي بآلية متقنة، وهي أن تدخل جامعة الملك سعود ضمن تصنيف أفضل مائة جامعة في العالم ثم تصل -بإذن الله- إلى ضمن أفضل عشر جامعات في العالم. هذا هو طموح القائد، وتلك هي مهمة المسؤول التنفيذي الذي بدأ الآن بهذه المهمة.
اختار سمو الأمير الجامعة التي تخرج منها، ويعرفها حق المعرفة، ويعرف تفاصيل نقاط الضعف والقوة في هذه الجامعة، ونظامها التعليمي عن ظهر غيب. كيف لا وقد أمضي سنوات عدة في قاعاتها.
ويا لها من مسؤولية يحملها الآن الجهاز الإداري في جامعة الملك سعود الذي يعد من خيرة الكفاءات التعليمية في البلاد.
لقد كانت جملة واحدة، استغرقت بضع ثوانٍ على الهواء، ولكنها جاءت بعد معرفة تامة بأن تطوير مستوى التعليم يجب أن يبدأ من نقطة يمكن قياسها. كما يجب أن لا يأتي التقييم من تقارير محلية فقط، بل يجب أن يعترف العالم أجمع بأن مستوى التعليم يتطور.
لن يجاملنا أحد في وضع تصنيف غير حقيقي، ولن يتقدم تصنيف الجامعة إلا بعد أن تتحقق جميع عوامل النجاح على أرض الواقع، وباختصار شديد، ترتيب الجامعة في المؤشر العالمي يدل على السير في الاتجاه الصحيح.
تطور الجامعة سيبدأ عصر نهضة تعليمية غير مسبوقة، وسيشرف عليه الأمير شخصيًا.
وبالآلية نفسها حدد سمو الأمير نواة لتطوير الخدمات الصحية في البلاد عن طريق تحويل مستشفى الملك فيصل التخصصي إلى «مؤسسة غير ربحية» ومعالجة العوائق أمام ذلك.
قد تمر هذه الجملة بشكل عابر لدى الكثير، ولكنها ذات أبعاد كبيرة لدى أهل الاختصاص.
من الآن فصاعدًا يجب أن يخضع العمل لآلية تقوم بتحسين الخدمات أولًا وخفض المصروفات ثانيًا.
اختيار سمو الأمير لمستشفى الملك فيصل التخصصي لم يأت من فراغ. التحول سيبدأ في المستشفى الذي أجرى فيه سمو الأمير شخصيًا عملية جراحية. هذه رسالة تأكيد لجميع المواطنين أن التحول لا يعني خفض مستوى الخدمات.
بعد أن حدد سمو الأمير معايير المتابعة حسب التقارير المرفوعة لسموه، وهي «معدل فترة إقامة المرضى» فإن نجاح خطة التحول لن يكون حسب التقارير والأرقام فقط، بل ستكون ضمن نطاق متابعة سمو الأمير الشخصية.
يجب أن يتطور الهدف السامي الذي من أجله تم إنشاء مستشفى الملك فيصل التخصصي، وهو عدم تحويل أي حالة تحتاج إلى علاج خارج الوطن، واستقطاب الكفاءات العالمية للعمل في خدمة المواطن.
وبطبيعة الحال فإن هذا الهدف يحتاج إلى نظام مالي «مستدام» للحفاظ على هويته ومستواه، ولا عذر مقبولاً في نقص مستوى الخدمات.
بعيدًا عن الخوض في أنظمة المؤسسات غير الربحية من المنظور المالي والإداري، فإن هذا باختصار يعني أن المستشفى يجب أن يتحمل عبء تنظيم موارده المالية وبالتالي إنهاء أي مصاريف مترهلة.
في الماضي، وعلى مدى خمسين عاماً ماضية جرت العادة بأن يتم رفع ميزانية المستشفى ليتم صرفها من ميزانية الدولة، وحيث إن ذلك يتعلق بصحة المواطن، فلم يكن هناك أي تحفظ لصرف أي مبلغ يتم طلبه. مما قد يتسبب في وجود ترهل هائل في مصاريف المستشفى الإدارية على حساب الخدمات الطبية.
ضمن النظام الإداري الجديد، سيبدأ الوعي المالي في الدخول إلى العمق الإداري والتخلص من المصاريف المترهلة وغير المنطقية للحفاظ على التصنيف الراقي للمستشفى دون المساس بمستوى الخدمات الطبية.
معيار «معدل فترة إقامة المرضى» لقياس الأداء الطبي أولاً ثم الاقتصادي ثانيًا، تعدُّ مؤشرًا طبيًا واقتصاديًا عالميًا، حيث زيادة المدة عن المعدل الطبيعي العالمي يدل على نقص الكفاءة أو عدم وجود التنسيق المثالي في أي مؤسسة طبية. كما أنه قد ينتج عن وجود مضاعفات أو أخطاء طبية تحتاج لبقاء المريض لفترة أطول كي يتم علاجها، وتحسن هذا المعيار يعني خدمة مرضى أكثر ومستوى صحي أفضل.
خلال ثوانٍ معدودة، وجَّه الأمير رسالة تدل على حرصه على مستوى الأداء الصحي، ووضع نظام مالي مستدام، وأنه سيقوم بمتابعة ذلك شخصيًا.بعد نجاح مستشفى الملك فيصل التخصصي في برنامج التحول، سيتم تطبيقه على الخدمات الصحية في البلاد -بإذن الله.
العلاج الناجع لا يأتي إلا بعد التشخيص الصحيح، وسمو الأمير قام بتشخيص أساس المشكلة وبدأ رحلة العلاج الإداري الناجح -بإذن الله.
حدث هذا كله خلال دقائق معدودة في لقاء زاخم بالبشرى الجميلة لهذا الوطن.