مها محمد الشريف
أحداث غزة شكَّلت منعطفاً خطيراً ومهماً في ملف القضية الفلسطينية، وفتحت الباب على عدم احتمال استمرار هذه القضية دون حل، فالعملية التدميرية التي قام به الكيان الصهيوني المحتل تسببت بدمار كبير تطلب تحركاً دولياً لبدء عملية سلام، ومعها بدأت التصريحات تتوالى حول أهمية التحرك، فهناك شبه إجماع على أنه لا وجود لسلام دون الاعتراف بإسرائيل كـ»دولة يهودية».. وسنعمل على إعادة إعمار غزة، هذا ما قاله الرئيس الأمريكي جو بايدن عبر «سي إن إن» ولا وجود لسلام في الشرق الأوسط بدون قبول جيران إسرائيل بوجودها كدولة «يهودية مستقلة»، داعياً إلى البدء بإعادة إعمار قطاع غزة بعد حرب دامت 11 يومًا بين الجيش الإسرائيلي والفصائل الفلسطينية في القطاع.
مهما تعاقبت الإدارات الأمريكية تظل السياسة واحدة وراسخة لا تتغيَّر حول جغرافية الشرق الأوسط وتاريخه قديماً وحديثاً بشمولية غير موضوعية، وهذا يكشف أنماط السياسة الأمريكية تجاه المنطقة وعوامل العنف التي تهزها بشكل متواصل وزعزعة الاستقرار فيها وتباين شروط السلام التعجيزية.
على مر التاريخ عمليات هجومية إسرائيلية متكررة على غزة منذ العام 2008 إلى تاريخنا المعاصر، ثم الاتفاق على هدنة ومبادرات مختلفة لإعادة إعمار ما دمرته إسرائيل، هذا يعني من الناحية السياسية سيناريو مكرر لجس نبض الدول العربية وما يترتب على هذا الهجوم التعسفي، ولكن يبقى الدور الحقيقي الأهم هو حقن الدماء والهدنة التي تقدَّمت بها مصر وبدعم سعودي أردني وعربي قدَّمت مصر 500 مليون دولار، بينما لم نسمع من إيران وتركيا إلا الدجل والمتاجرة بالقضية عبر شعارات صوتية ووعود كاذبة.
اختفى دورها منذ بداية الأزمة خصوصًا أن أميركا دعمت الموقف المصري وهذا ما قطع الطريق على المزايدات الأردوغانية. وبالمقابل حزب الله التزم الصمت تمامًا ولم يجرؤ على قول كلمة دعم لغزة، فأين المقاومة والدفاع عن القدس؟ فيبدو أنهم مشغولون بتصدير المخدرات.
بينما الدور الإقليمي التدميري يظل حكراً لدولة الإرهاب إيران التي تحرِّك حماس لمصالحها وأهدافها والخاسر هو شعب غزة الذي يواجه الحرب والاعتقالات العشوائية الإسرائيلية، فهذا الوضع المأساوي واقع لا يسشعره إلا الشعب الفلسطيني، فحماس التي لعبت الدور الأبرز بحالة الانقسام الفلسطيني ووقوفها ضد مصالح الدول العربية لصالح إيران تبحث الآن عن التضامن العربي لأجل أخذ أموال للإعمار لأنها تعلم أن إيران وغيرها من أصحاب الشعارات لن يقدّموا أي دعم للإعمار.
ولكن لن يعطيها أحد دولاراً واحداً والبناء سيتم بعيداً عنهم وعبر طرق لا يكون لحماس دور فيها، فقد ساهموا في تلميع أسطورتهم أعواماً عديدة وضيعوا قضية فلسطين وجعلوها ذكريات ضبابية لتظهر مصالحهم للعلن وتجري صفقاتها ومقايضاتها مع القوى الاستعمارية عوضاً عن مطالب الفلسطينيين بالحرية وعدم انتزاع أراضيهم بالقوة ودخلوا في فلك حسابات سياسية لا تخدم القضية الفلسطينية.
ورغم كل ذلك، فإن قضية فلسطين ستبقى الأولى عربياً وإسلامياً لأنها تحمل البعدين معاً لكنها بحاجة لتوحيد صفوف قياداتها وأن تكون فاعلة وعاملة وموحَّدة لخدمة القضية بواقعية وبما يوفر الأمن والأمان للشعب الفلسطيني ويعيد له حقوقه المسلوبة.