«الجزيرة» - الاقتصاد:
بعد أكثر من عام على تخلف الحكومة اللبنانية عن الوفاء بالتزاماتها بالعملة الأجنبية، لا تزال الضغوط تتصاعد على النظام المصرفي، لا سيما في ظل التأثيرات الاقتصادية لجائحة كوفيد - 19 ، وتداعيات انفجار مرفأ بيروت في أغسطس الماضي، والفراغ السياسي المستمر في لبنان، والتهافت المستمر على سحب الودائع، والذي تباطأ جزئياً فقط بسبب القيود المخصصة التي فرضها لبنان على رأس المال.
تعتقد وكالة «إس آند بي جلوبال للتصنيفات الائتمانية» أن الحجم الحقيقي لخسائر البنوك اللبنانية لن يتبين إلا بعد إعادة هيكلة الديون الحكومية. في نيسان/أبريل 2020 ، طرحت الحكومة برئاسة رئيس الوزراء حسان دياب خطة إعادة هيكلة. ولكن لم يتم تنفيذ الخطة بسبب الخلافات السياسية، مما ترك الأسواق في حالة من عدم اليقين بشأن التكلفة المحتملة للأزمة المالية في لبنان. نص الاقتراح على شطب نسبة من الدين الحكومي وخصم ودائع البنوك لدى البنك المركزي (مصرف لبنان).
يبدو أن العقبة الرئيسية أمام إعادة الهيكلة هي أن لبنان يعمل حالياً مع حكومة تصريف أعمال لا تمتلك السلطة للاتفاق على شروط مع الدائنين.
منذ تشرين الأول/أكتوبر 2020 ، لم يتمكن رئيس الوزراء المكلف سعد الحريري من تشكيل حكومة بسبب الخلافات مع الرئيس والأحزاب السياسية الأخرى حول ملء الحقائب الوزارية. هناك أيضاً خلاف كبير بين المؤسسات السياسية الرئيسية بخصوص سبب ونطاق أزمة الديون في البلاد ومسار إعادة الهيكلة، بما في ذلك معاملة المودعين.
في حين أنه من غير الممكن التكهن بالخطوات التي ستتخذها الحكومة، قمنا بوضع ثلاثة سيناريوهات تتضمن افتراضات مختلفة لعمليات شطب.
نقدّر أن تكلفة إعادة هيكلة البنوك لأموالها في مصرف لبنان وأدوات الدين الحكومية اللبنانية وغيرها من عمليات شطب الأصول الأخرى قد تتراوح ما بين 30 % و 134 % من الناتج المحلي الإجمالي المقدر للبنان لعام 2021 ، قبل تأثير الانخفاض المحتمل لقيمة العملة. ونظراً لحجم المشكلة، نعتقد أن التمويل من المساهمين أو التمويل الخارجي وحدهما ربما لن يكونا كافيين لاستيعاب هذه التكاليف.
في هذه المرحلة، يبدو أن تحميل بعض الخسائر على المودعين - على سبيل المثال من خلال تسديد ودائعهم بأسعار صرف أقل من السوق أو تحويل الودائع إلى أسهم - أمر مرجح للغاية.
بدون حل، قد تجد البنوك اللبنانية صعوبة في الحفاظ على عملياتها مع استمرار سحب الودائع وقطع البنوك المراسلة الأجنبية للعلاقات. قد يؤدي الإخفاق في إعادة هيكلة النظام المالي إلى ترك لبنان مع بنوك غير مؤهلة لدعم التعافي الاقتصادي.
تكلفة التخلف عن السداد يمكن أن تتجاوز 100 % من الناتج المحلي الإجمالي:
بعد أن تخلفت الحكومة عن سداد ديونها في آذار (مارس) 2020 ، اقترحت خطة لإعادة الهيكلة تتضمن خفض الديون الحكومية الخارجية والمحلية. تضمنت الخطة أيضاً شطب نسبة من ودائع البنوك المحلية وشهادات الودائع في مصرف لبنان، الذي تكبد خسائر بنحو 60 مليار دولار أمريكي كانت إلى حد كبير بسبب عمليات الهندسة التي قام بها منذ عام 2016 . لم يتم الاتفاق على هذه الخطة أو تنفيذها.
لا نعتقد أن إعادة هيكلة الديون بالعملة الأجنبية وحده من شأنه أن يعيد المالية العامة للحكومة إلى وضع أكثر استقراراً، لأن تلك الديون لم تشكل سوى 38 % من إجمالي الديون السيادية في نهاية عام 2020 . حتى شطب جميع السندات الدولية والديون الرسمية سيترك الحكومة مديونة بما يصل إلى 107 % من الناتج المحلي الإجمالي، بناءً على أرقام نهاية العام 2020 . لذلك نعتقد أن الديون الحكومية بالعملة المحلية ستكون على الأرجح جزءاً من أي برنامج لإعادة هيكلة الديون.
ديون الحكومة اللبنانية: من يملك ماذا؟
علاوة على ذلك، بالرغم من أن ودائع البنوك في مصرف لبنان تمثل 6.5 أضعاف حقوق ملكية المساهمين القطاع المصرفي، فإننا نتوقع بأن تتم إعادة هيكلتها إلى حد ما، نظراً لحجم خسائر مصرف لبنان. نتوقع أيضًا حدوث انخفاض في قيمة قروض البنوك لقطاع الخاص وسط خلفية اقتصادية أضعف، حيث نقدر انكماش الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة 10 % هذا العام بعد انخفاض بنسبة 25 % في عام 2020 .
لتقدير التكاليف المحتملة للبنوك اللبنانية، وضعنا ثلاثة سيناريوهات للخسائر في السندات الدولية الحكومية، والديون الحكومية بالعملة المحلية، والودائع وشهادات الودائع في مصرف لبنان، فضلاً عن قروض القطاع الخاص. استندنا في وضع هذه السيناريوهات جزئياً على ملاحظاتنا حول 17 حالة تخلف عن سداد الديون السيادية في الأسواق الناشئة بين عامي 1999 و 2010 ، حيث بلغ متوسط نسبة اقتطاع الديون الحكومية 42 % :
السيناريو (1): اقتطاع 50 % من حيازات البنوك من ديون الحكومة اللبنانية بالعملات الأجنبية والمحلية، وشطب 10 % من الإيداعات في مصرف لبنان، و 5 % خسائر على إقراض القطاع الخاص. نفترض خفضاً أكبر قليلاً من المتوسط البالغ 42 % لأنه يتم حالياً تداول ديون الحكومة بخصم أعلى بكثير.
السيناريو (2): خصم 75 % على السندات الدولية (تحميل المزيد من العبء على المستثمرين الأجانب)، و 60 % على الديون بالعملة المحلية، و 50 % على الإيداعات في مصرف لبنان، و 15 % على إقراض القطاع الخاص. اقترحت خطة إعادة الهيكلة التي وضعتها الحكومة اللبنانية لعام 2020 شطباً مماثلاً لودائع البنوك وشهادات الإيداع لدى مصرف لبنان.
السيناريو (3): خصم 90 % على السندات الدولية، و 70 % على الديون بالعملة المحلية والإيداعات في مصرف لبنان. بالرغم من احتمال رفض المستثمرين لهذا عملياً، فمن المحتمل أن يكون هذا السيناريو أكثر ملاءمة لاستدامة مستوى الديون الحكومية وإعادة رسملة مصرف لبنان، من وجهة نظرنا. يتم تداول السندات الدولية اللبنانية بسعر 11 - 15 سنتاً لكل دولار أمريكي، مما يشير إلى أن الأسواق تقوم بالتسعير بخصم يتراوح ما بين 85 % - 89 % من القيمة الاسمية. كما نفترض أيضاً خسائر بنسبة 30 % في عمليات الإقراض الأخرى.
حقوق الملكية لدى البنوك استُنفدت في جميع السيناريوهات الثلاثة:
تشير سيناريوهاتنا إلى أن تكلفة إعادة هيكلة النظام المصرفي اللبناني يمكن أن تتراوح بين 23 مليار دولار أمريكي (باستخدام سعر الصرف الرسمي) بموجب السيناريو 1 إلى 102 مليار دولار أمريكي بموجب السيناريو 3 . هذا يمثل ما بين 30 % - 134 % من الناتج المحلي الإجمالي الاسمي. وبالمقارنة، واجه النظام المصرفي الأيرلندي تكاليف إعادة رسملة بحوالي 37 % من الناتج المحلي الإجمالي خلال الفترة 2008 - 2009 وحوالي 25 % من الناتج المحلي الإجمالي لليونان خلال 2008 - 2019.
في غياب مصادر التمويل الأخرى، قد تؤثر إعادة هيكلة النظام المصرفي على 4 % - 63 % من قاعدة الودائع بعد نفاد حقوق ملكية البنوك اللبنانية.
قد تكون تكاليف إعادة الهيكلة أعلى في حالة انخفاض قيمة العملة. فشل ربط العملة اللبنانية بالدولار الأمريكي جاء بسبب تراجع وصول البلاد لمصادر التمويل الخارجية وتدفقات الودائع بالعملات الأجنبية للخارج منذ عام 2019 ، مما أدى إلى انخفاض مطرد في الاحتياطيات الأجنبية. علاوة على ذلك، أدى نقص العملات الأجنبية والقيود المفروضة على عمليات سحب الودائع بالعملة الأجنبية وتحويلها إلى انخفاض سريع في سعر الصرف في الأسواق الموازية وإلى ظهور أربع ممارسات لسعر الصرف على الأقل.