وفي قراءة لتقرير (استادرد اند بورز) حول الوضع المالي في لبنان قال، المستشار المالي والمصرفي، الأستاذ فضل بن سعد البوعينين: لم تكن توقعات (ستاندرد أند بورز) التي رجحت تضرر المودعين في البنوك اللبنانية لأسباب مرتبطة بتكلفة إعادة هيكلة ديون لبنان مفاجئة للمتابعين لوضع لبنان المالي، وقطاعه المصرفي، وما تعرضت له الليرة اللبنانية من انهيار مستمر، وإن كان التركيز اليوم منصباً على تخلف الدولة عن سداد التزاماتها بالعملة الصعبة، ما يعني زيادة أعباء القطاع المصرفي المنكشف بشكل كبير على تلك الديون.
وأضاف: وللعودة إلى أصل المشكلة، نجد أن الحكومة اللبنانية فشلت في إدارة الدولة، ودفعتها نحو الهاوية. فشل السلطات السياسية والاقتصادية والنقدية تسبب في أزمة اقتصادية خانقة وانهيار لليرة، وتسببت في توقف المساعدات الدولية بالدولار، وانقطاع مساهمة الأشقاء وفي مقدمهم السعودية في تعزيز أصول البنك المركزي بالودائع الدولارية ما أدى إلى انهيار الليرة وانكشاف البنك المركزي وتدهور القطاع المصرفي. سيطرة حزب الله على الحكومة اللبنانية، واختطافها القرار اللبناني بتوجيه من إيران، أبعد لبنان عن محيطه العربي والدولي، وتركه وحيدًا في مواجهة الأزمات الاقتصادية التي أوصلته إلى حد التعثر عن سداد الديون، وهي بداية مرحلة جديدة من مراحل الانهيار الكلي وفشل الدولة وطريق اللاعودة.
وأشار البوعينين: تحتفظ البنوك اللبنانية بحيازات ضخمة من الدين الحكومي، ما يعني أنها في مواجهة مباشرة مع أزمة مالية لا يمكن الخروج منها إلا بتلقي سيولة دولارية تمكنه من تلبية طلبات المودعين، وهو أمر شبه مستحيل حالياً. وإذا ما أضفنا إلى هذه الأزمة المرتبطة بالديون الحكومية، أزمة التحويلات الدولارية المنظمة للخارج في الفترة ما قبل 2019 والتي تسببت في تجفيف السيولة الدولارية في القطاع المصرفي بل وفي البنك المركزي أيضاً، يصبح الأمر أكثر تعقيداً، والمعالجة أكثر استحالة وفق الأدوات المتاحة للحكومة في الوقت الحالي.
تجميد البنوك لمعظم ودائع العملاء الدولارية وحظر تحويل الأموال السائلة إلى الخارج سيستمر لا محالة، ومن المؤسف أن يتحمل صغار المودعين تبعات سوء الإدارة الاقتصادية والمالية والسياسية، فكبار الساسة وقادة الأحزاب قاموا بتحويل أموالهم قبل 2019 وهو بداية الانكشاف الحقيقي بعد أن تم تفريغ البنك المركزي من احتياطيات العملات الأجنبية، دون الاكتراث بمصلحة لبنان واقتصاده المتداعي.
أعتقد أن الضربة موجعة للمودعين من جانبين رئيسيين، الأول عدم مقدرتهم سحب ودائعهم الدولارية من جهة، والثاني انهيار الليرة بسبب تجفيف الغطاء النقدي ما انعكس بشكل مباشر على التضخم الذي بات في مستوياته العليا ما يحول دون تمكن المواطنين من توفير احتياجاتهم الضرورية. وأعظم من ذلك عدم قدرة الحكومة على توفير تكلفة الاستيراد ما يعني تجفيف السوق من السلع الغذائية والمنتجات الضرورية، والأدوية.
وأكد البوعينين أن تضرر المودعين هو الواقع الذي تُنكره البنوك، فالقطاع المصرفي سيتحمل تكلفة إعادة هيكلة الديون، ما يعني تعميق أزمة المصارف الحالية وجعلها غير قادرة على إعادة الودائع الدولارية ولا جزء منها في الوقت الحالي، مع انعدام فرص المعالجة الحكومية خاصة مع فشل توليف الحكومة واستمرار إيران في اختطافها القرار اللبناني والسيطرة على مفاصل الرئاسة والحكومة والبرلمان من خلال ذراعها الإرهابية «حزب الله».
لا حلول تلوح في الأفق خاصة مع عدم التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي، وهذا مفقود في غياب الحكومة، التي يفترض أن تكون جهة التفاوض مع الصندوق. قد يكون هناك إعادة لجزء من الودائع الدولارية بالعملة المحلية، وبسعر صرف متدنٍ جداً ما يعني تكبد المودعين لخسائر فادحة، وأي حديث عن تمويل المساهمين للبنوك لمعالجة أزمة السيولة الدولارية، لا يعدو عن أن يكون من الأمنيات المستحيلة، خاصة في مثل هذه الظروف السياسية والاقتصادية المضطربة، وخروج أموال كبار المساهمين من لبنان.
لذا أشدد على أن أزمة لبنان الاقتصادية ما هي إلا نتاج للأزمة السياسية التي تسبب بها حزب الله، وعملاء الداخل من الحزبيين، وبالتالي فالمعالجة تبدأ بتشكيل حكومة يثق بها المجتمع الدولي ويتعامل معها، بعيداً عن سطوة حزب الله وإيران، وعودة لبنان إلى محيطه العربي الأكثر حرصاً على أمنه واستقراره واقتصاده.
من جانبه أكد الخبير الاقتصادي الدكتور عبدالحفيظ محبوب، أن جوهر الأزمة التي يعيشها لبنان واللبنانيون لم تكن بحال من الأحوال أزمة اقتصادية، وإن كان الاقتصاد شراراتها الأولى، إنما هي أزمة سياسية بامتياز، ومما يزيد الوضع السياسي الفاسد وضوحاً هو النزاع على وزارة المالية موطن الفساد الأكبر، وتشير التقارير القانونية والدولية إلى استغلال حزب الله لموارد لبنان وأمواله لتمويل مليشياته وأعماله الحزبية الضيقة ودعم الحوثيين ضد المملكة العربية السعودية، كان آخرها مقتل لبناني أحد قيادات الجناح العسكري لميليشيات حزب الله مصطفى الغراوي إثر غارة لتحالف الشرعية في اليمن، فهل بعد هذه العداوة يمكن أن تسهم السعودية في دعم الاقتصاد اللبناني؟، وهو يدعم الحوثيين في إرسال صواريخه على السعودية.
يمنع حزب الله تشكيل حكومة مستقرة بقيادة سعد الحريري ما لم يتحصل على الثلث المعطل للتحكم في لبنان وفي الحكومة، ما يعرقل الكثير من الخدمات المقدمة للمواطنين، ويدفع بالبلاد إلى شفير الانهيار التام، وأسوأ انعكاسات الأزمة هو الانهيار المستمر لليرة اللبنانية مقابل الدولار حتى وصل سعر الليرة مقابل الدولار في 23 مايو 2021 نحو 0.00065 مقابل الدولار وفقدانها لأكثر من 85 في المائة من قيمتها، ما ينذر بانهيار شامل قد ينتج عنه ما لا تحمد عقباه، ما تسبب في وقوع الكثير من الاشتباكات بين المواطنين والعاملين في المتاجر والأسواق خصوصاً بسبب التدافع لشراء السلع المدعومة من الدولة والخلاف على أسعار السلع التي تضاعفت بشكل جنوني مع انهيار القدرة الشرائية للمواطنين بسبب إعلان الحكومة التوقف عن سداد الديون الخارجية في مارس 2020، وإغلاق البنوك أمام العملاء من حين لآخر، وتشديد القيود على عمليات سحب العملات الأجنبية.
تدهور الليرة شكل ضربة قاصمة للجهود والنزيف مرشح للاستمرار، فمن شأن نفاذ احتياطي المصرف المركزي من الدولار الذي يستخدم بشكل رئيس لدعم استيراد القمح والمحروقات والأدوية أن يجعل الدولة عاجزة عن توفير أبسط الخدمات، ويؤخذ على مصرف لبنان استمراره في طبع العملة ما يفاقم التضخم المفرط أساساً عوضاً عن اتخاذ إجراءات حاسمة للجم التدهور وإعادة بناء ثقة المودعين بالمصارف وجذب الأموال من الخارج وتوحيد سعر الصرف.
وأضاف الدكتور محبوب: جمدت البنوك معظم ودائع العملاء الدولارية وحظرت تحويل الأموال السائلة منذ اندلاع الاضطرابات أواخر 2019. وصرَّح حاكم مصرف لبنان رياض سلامة في 24-5-2021 إن أموال المودعين آمنة وقد يستطيعون سحب جزء منها بالدولار قريباً، لكن المودعين سيتكبدون خسائر بأقل من سعر الصرف في السوق أو تحويل الودائع إلى حصص مساهمة.
وأوضحت ستاندرد آند بورز تكلفة إعادة هيكلة القطاع المصرفي قد تدور بين 23 و102 مليار دولار بما يعادل 30 إلى 134 من الناتج المحلي الإجمالي الاسمي، ولكن إعادة الهيكلة لن يتم إذا لم يتم حل الأزمة السياسية وأي تأجيل يفاقم الأزمة الاقتصادية، حيث لا تزال الحكومة الحالية تعمل كحكومة تصريف أعمال منذ استقالتها في أغسطس 2020 عقب الانفجار الهائل في ميناء بيروت الذي زاد الأزمة تفاقماً إلى جانب الأزمة الاقتصادية منذ أواخر 2019.
ما جعل ستاندرد آند بورز تخفض تصنيف 3 بنوك في لبنان، وهي بنك عودة، وبلوم بنك، وبنك ميد إلى درجة CCC من تصنيف الودائع بالعملة المحلية لدى أكبر مصارف في البلاد من حيث الأصول والودائع بالعملة الأجنبية، تعكس هذه الخطوة ضعف الجدارة الائتمانية للحكومة اللبنانية، بينما تتضرر البلاد من الاضطراب السياسي وتحكم حزب الله بلبنان، وكان آخرها إطلاق وزير الخارجية اللبناني في حكومة تصريف الأعمال شربل وهبة التابع لحكومة حزب الله تصريحات مسيئة بحق دول الخليج والسعودية، ما جعل السعودية تستدعي السفير اللبناني لدى المملكة للإعراب عن رفضها واستنكارها للإساءات الصادرة من قبل وزير الخارجية وتم تسليمه مذكرة احتجاج رسمي بهذا الخصوص.