كلما كانت تأتي أمي لزيارتي كنا نخرج في نزهة قصيرة نستمتع فيها بالمشي بين شجيرات زهور التشمباكا التي اصطفت على جانبي الطريق المؤدي لبيتي، وكان يستهوينا التوقف قليلاً لاستنشاق شذى هذه الأزهار التي تذكرني بمثيلاتها التي خِلت نفسي قد نسيتها ورائي في هانوي.
بدت أمي مستغرقة تماماً في أفكارها، بينما كان صوت الرياح محركاً للمزن عالياً في السماء... كم بدا جسمها رقيقاً من خلال ضوء شمس الأصيل الغاربة.
ويبدو أنها كانت تمر بلحظة عاطفة جياشة فقد تساقطت بعض الدموع من عينيها... لأبد وأن أمي قد أشرعت أبواب قلبها لتعيد وهج الحياة لبعض الذكريات، ربما كان تتذكر حباً قديماً أو أحلام يقظة من الأيام الخوالي والتي نادراً ما حدثتنا عنها.
وبينما شغلتني أفكاري الحيرى والمتسائلة، تأملت أمي بصمت، ربما كانت أمي تشعر بالشوق والحنين لفترة شبابها حينما كان شعرها أسوداً، طويلاً، وغزيراً ثم أصابه الهزال وفقد جماله مع تضحيات الأمومة.
بدت أمي أكثر شباباً وهي مستندة على شجرة التشمباكا، لابد وأن أمي كان لديها أحلاماً وآمالاً كثيرة.. بدت يداها -برغم سنها- رشيقتين وجميلتين، بالتأكيد أن مقاومة ابتسامتها ومرحها الدائم وخفة دمها كان أمراً صعباً.
كان الطريق هادئاً جداً اليوم... استمتعنا بجمع الأزهار المتساقطة ووجدتني أمازح أمي قائلة «نبدو وكأننا رحّالتان» فتجيبني عيناها بابتسامة سعيدة، وتصلني خلجات أمي التي تهمسها لي برقة ونعومة وفي نفس الوقت بحماسة كبيرة وقد تدفقت ذكرياتها العاطفية عن أيام الشباب.
وأخذت نسائم لطيفة، رقيقة، ومعطرة بشذى التشمباكا تحيط بأمي وأحسست فجأة بالغضب من نفسي لعدم امتلاكي لموهبة الرسم، فقد كانت أمي في تلك اللحظة في غاية الجمال فقد فاتنا نحن فلذات أكبادها في خضم تسابقنا لنصبح كباراً... فاتنا -إلاّ فيما ندر- أن ندرك كم كانت أمي جميلة!
** **
- ترجمة: د. نادية عبدالوهاب خوندنة