من الممكن أن ندخل للكشف عن هذه الجهود من خلال المحاور التالية:
(1) حسن الزهراني رئيس النادي: وهذا المحور من الممكن أن تكشّف لنا عبره الأمور التالية:
أ- استثمار الزهراني لموقع الباحة السياحي واستقطاب زائري الباحة؛
وفي هذا نجد الزهراني قد استقطب زائري الباحة سياحيا ليستثمر ثقافتهم لصالح ناديه ولثقافة الوطن عموما؛ وساعده على ذلك وجود جامعة الباحة وما بها من رعاية أكاديمية للثقافة؛ شأن كل جامعات بلادنا؛ لكن الزهراني خرج بهذه الثقافة عن أسر الجامعة؛ وما تتصف به الجامعات عموما من أسر الأكاديمية وبيوقراطيتها الأكاديمية إلى الفضاء الثقافي العام للإنسان والبيئة والعالم الإنساني؛ فقد استثمر خبرة الأساتذة الثقافية؛ وحوّلها إلى خلية نحل عامرة بعسل الثقافة الشهي؛ فحافظ المغربي مثلا راق له أن يسكب ثقافته علما أكاديميا وشعرا بالباحة؛ حتى إنه رأى أحيانا أن نادي الباحة حوزته التي يغار عليها؛ حتى إن أحدهم انزعج من ذلك وأشعره أنه كما له الحق في نادي الباحة؛ فإن الآخرين لهم الحق في ذلك؛ وبالمناسبة للدكتور حافظ قصيدة مشهورة في التغني بالباحة وبجمالها)
(2) حسن الزهراني الشاعر، وهذا المحور من الممكن أن أقاربه من الزوايا التالية:
أ- الشعر الطبعي: يتميز شعر الزهراني بتلقائية قربته من المتلقين؛ وأوصلته إليهم سريعا؛ حتى إني أذكر أن أحدهم؛ وقد أهداه الزهراني نسخة له من ديوان جديد صدر له؛ أصر على أن يكون الإهداء؛ وما ذلك إلا لأنه شعر بشاعريته التي تصل إلى الناس؛ ليحتفظ بتلك النسخة لديه؛ ويتباهى بها؛ وكأن شعر الزهراني لديه شعر الأعشى الذي زفّ بنات المحلق إلى عش الزوجية)
ب- مسرحة التخيلات الشعرية؛ وهذا أمر لمسته في ديوانه الموسوم بـ(أعبر سمّ الوجس) وهو أمر يلاحظ من اسم العنوان؛ فالتوجس ما هو إلا القلق وهذا القلق هو الشعر وقد جعله الشاعر سما وجعل القارئ يتمثل ذلك المسرح العبثي الذي يعبره الشاعر؛ هل ينجح الشاعر في عبور السم؛ أو أنه يتجرعه ويموت ؟ يتضح هذا في المقطوعة الثانية بعد الإهداء المعنونة ب( الهاجس المطري ) تحت هذا العوان جاء قوله هكذا:
الشعر هذا المطري
كيف أتي بنا من غابر اللا وعي
وعيا يمتطي خلجاتنا عبقا
ويشبع صمتنا شدوا
ويثخن دمعنا غرقا
ثم يقول بعدها :
الشعر حين نشبّه في الروح
يلفظنا على جمر الحروف نوارسا من دون أجنحة
يعلق صوتنا أرجوحة بين الكواكب
يصطفينا وحيه رسلا
ويوهمنا بأنا!
ثم يأتي المقطع التالي مبتدئا هكذا:
يا!!!بلاش .. ثم يمضي على هذا النحو من التحريج المسرحي؛ فانظر إلى هذه المجازات المنحوتة من عروق الشعر وأوديته السحيقة كيف آلت إلى حراج وإلى لهجة محرج ؛ ولكن لماذا ؟ من يقرأ بقية النص يتضح له الأمر؛ ولعل مجمله يكمن في أن متلقي الشعر كمنت عندهم جذوة التلقي ولذلك حرص الشاعر على أن يستحضر لذلك أمثلة بفاقدي الحواس؛ الأصم؛ والأبكم؛ والأعمى.
(ج) النهاية المأسوية؛ وهذا أمر نشهده في نهاية النص؛ فكما أشرت سابقا بإشارة الزهراني لخفوت جذوة التلقي للنص الشعري؛ إلا إن التأمل في نهاية النص يشعرك بالرثائية التي ينعى بها الزهراني هذا التلقي ؛ كما تلحظ ذلك من قوله :
وعقيرتي !!
فتشت عنها
لم أجدها في البضاعة
قال لي شاه بندر التجار:
إن البوم غافلني
وطار بها إلي بلقيس في صنعاء
فاندلق الغناء بدون حنجرة
يرتلّه الحنين...
ويا لها من لحظة أسى تدخل المتلقي في أتونها، خاصة بعد تلك المجازات التي نحتها الشاعر في نصه سابقا فقد عاد هنا يرثيها بحزن ولوعة
ولعل تأمل آخر النص يشعرنا بأن الشاعر تعرض لمواقف مؤلمة جعلته يرثي حرية شاعريته وتقييدها بهذه البكائية القاسية ؛ يقول :
فأرسل جنده الوالي
فقيدني القساة ببعض جلدي
فتشوني دونما لطف بأجهزة التجسس ... إلخ النص
وفيها إشارات إلى التجسس على البريد؛ وعلى صفحة الفيس بوك
وكأن الشاعر يرسم بهذه النهاية ويبرر هطول الهاجس المطري الذي هو عنوان لهذا المقطع.
وعلى كل تنتهي كتابتي هذه العجلى وتبقى في النص مخابئ مستفزة تحتاج لوقفة متأنية أخري إن أسعف العمر والوقت.
** **
- أ. د. عالي القرشي