يعد الكتاب النبع الأساسي للنهل بالثقافة الفكرية والأدبية والدينية، وهو الوعاء الذي يستقي منه الفرد ثقافته على المستوى الخاص والعام، وكان لذلك الدور الأول في المشهد الثقافي السعودي. ومما لا شك فيه أن المكتبات قامت لحفظ هذا العلم حتى تناقلته الأجيال عبر العصور بغض النظر عن التنوع الثقافي الذي يتميز به كل عصر وجيل عن سابقه ولاحقه، وكلما تشكل هذا التنوع برزت أهميته...
ومن خلال حديثنا عن هذا المحور نعوز على أننا لا نتحدث عن الأدب السعودي في الجانب الأكاديمي أو خارجه إلا نتناول الحديث عن أهم مصادر الثقافة الذي تعد الكتب والمكتبات أهمها...
وقد مرت بلادنا بعدة مراحل حول تطور الكتاب والمكتبات، وسنتناول الجانب الأول منها وهو الكتاب... حيث قد بدأت المكتبات من كتب قليلة لندرتها وصعوبة الحصول عليها ولظروف الأمان من حفظ وتنقل ووعاء تخزين، فكان المصدر الأساسي في توفير الكتب بعد توحيد البلاد على يد المؤسس الملك عبدالعزيز - رحمه الله - عن طريق الوفود من خلال زائري الحرمين الشريفين بالإضافة إلى وجود بعض المطابع التي كانت بمكة المكرمة في نهاية حكم الأشراف، وقد اهتمت بالجانب الديني خاصة، وبعض الصحف مثل صحيفة القبلة..، حيث اعتمد الجيل الأول من المفكرين والأدباء على مجموعة قليلة في نشرهم ومؤلفاتهم، فنجد سعد بن رويشد يطبع ديوان «العقد الثمين من شعر محمد بن عثيمين» في مصر وقيل هناك طبعة سبقت ذلك من الهند عن طريق قطر، وهكذا كانت مصادر جذور الثقافة في بداية العهد السعودي، وقد روى لي والدي أن والده وأعمامه قد تلقوا العلم على يد الشيخ إبراهيم بن عبداللطيف فتعلموا القراءة والكتابة وحفظوا القرآن وقاموا بالبحث عن الكتب حيث أن كل واحد لديه مكتبة صغيرة ربما تتوفر من القرآن وتفسيره، وكتاب إلى خمسة كتب... وكانوا ينتقلون بها في راحتهم وترحالهم، وكانوا يعيرون الكتب فيما بينهم حتى أن أحد أبناء عمومتي يقول إن أحدهم أهداه مجموعة من هذه الكتب القديمة، وما زال محتفظاً بها في مكتبته الخاصة...
لذا نجد أن الكتاب هو المصدر الأول في إنشاء هذه المكتبات الذي قد تندر عند الجيل الأول من المفكرين والمبدعين فابن بليهد يقول إن الملك عبدالعزيز أشار عليه أن يؤلف كتاباً عن نجد وأماكنها وعلاقتها بالقديم الشعري والثقافي، فألف كتابه «صحيح الأخبار عما في بلاد العرب من الآثار» وذلك قبل حوالي 70 عامًا، فكانت الطبعة الأولى عام 1371هـ في مصر، وهو صاحب ديوان «ابتسامات الأيام في انتصارات الإمام»، ونجد ديوان «وحي الحرمان» للأمير عبدالله الفيصل من أوائل هذا الإبداع الأدبي، ولكن الثقافة السعودية تطورت وتوسعت مع توسع الحضارة والازدهار فـ»نشأت المكتبات العامة وبدأت أول مكتبة صدر أمر بإنشائها عام 1371هـ من المؤسس غفر الله له تحت مسمى المكتبة السعودية ثم افتتحت رسميًّا عام 1373هـ» كما أشير في ذلك في مقال بعنوان (خمسون عامًا مضت بين أول مكتبة حديثة «المكتبة الوطنية» ومعرض الكتاب في مدينة الرياض، لراشد بن عساكر، بصحيفة الرياض، عدد 14501 تاريخ 29 صفر 1429هـ).
وقد تطورت هذه المكتبات حتى أصبحت 110 مكتبات عامة، و144 مكتبة متخصصة، 167 مكتبة أكاديمية، 1886 مكتبة مدرسية، كما نشر في مجلة مكتبة الملك فهد الوطنية، مجلد 21 ، عدد 2 من عام 1436هـ، في مقال عنون له بالمكتبات الخاصة في المملكة العربية السعودية: دراسة ميدانية لسعد سعيد الزهري صفحة 58 .
وقد لا يخلو بيتًا في وقتنا الحالي من المكتبات الخاصة قلّتْ أو كثرت حسب ثقافة الأسرة وتنوع مصادر تخصصها ومع ازدهار التطور وظهور التكنولوجيا كثرت المكتبات الإلكترونية والكتاب الرقمي وتنوعت المكتبات والموسوعات التي خدمت الباحث والأديب وطالب العلم مثل المكتبة الشاملة والمكتبة الرقمية والموسوعة الشعرية وغيرها.
كما ساعد هذا التطور على وصول سرعة المعلومة من الكتاب، وقد لا يغنينا ذلك عن الكتاب الورقي فالقيمة تبقى في الورقي فهو الملموس وهو الموجود حتى وإن اختفى بين الأرفف إلا أن قيمته وذائقة التصفح له روح وطعم خاص لدى المثقف.
** **
د. حمد فهد جنبان القحطاني - أستاذ مشارك بقسم اللغة العربية - جامعة الطائف