د. أبو أوس إبراهيم الشمسان
من الأخطاء الشائعة في لغة المعاصرين أنهم ينعَتون المؤنث بمذكر حين يستعملون اسم التفضيل المحلى بـ(أل)، مثال ذلك «ثم تأتي الفقرة الأهم»(1)، و(الأهمّ) على وزن (الأَفْعَل) مذكر ينبغي أن يكون مؤنثها على وزن (الْفُعْلَى)، والذي أجاء الناس إلى وضع الأفْعَل موضع الفُعْلى أنّهم لم يسمعوا من ألفاظ الفُعْلى سوى قليل، وأنّهم قد لا يسيغون صياغة بعض الصفات التفضيلية على هذا البناء؛ ولكن يمكن الاحتيال له بتغيير التركيب(2) فيقال: «ثم تأتي أهمّ فقرة». ومثل هذا «هذه الدولة الأجمل في العالم!»(2). وليس من ذلك قول السيوطي:
تَقْدِيمُهُ فِي سُورَةِ اقْرَا فَهُنَا
كَانَ الْقِرَاءَةُ الأَهَمَّ الْمُعْتَنَى(3)
لأن (الأهمّ المعتنى) خبران لا نعتان فلا تجب المطابقة، فالمعنى: الأمرَ الأهمَّ المعتنى.
وأما تصحيح أستاذنا د. أحمد مختار عمر لمثل هذا فمتوقف فيه عندي أيضًا (4). قال «اشترط معظم النحاة في أفعل التفضيل المحلَّى بـ«أل» المطابقة لما قبله في التذكير والتأنيث، والإفراد والتثنية والجمع، ويمكن تصحيح الاستعمال المرفوض اعتمادًا على إجازة مجمع اللغة المصري- في دوراته: السادسة والخمسين، والرابعة والستين، والخامسة والستين- الإفراد والتذكير في استعمال أفعل التفضيل المحلَّى بـ«أل»، وذلك أخذًا برأي ابن مالك وابن يعيش وغيرهما»(5).
وليس من إجازة للمجمع في ذلك؛ إذ إجازته لاستعمال الفعلى تأنيثًا للأفعل وإن لم يسمع، أي متابعة النحويين الذاهبين إلى قياس المطابقة، جاء في نص القرار «ولما كان هذا الرأي أقرب إلى التيسير، فإن اللجنة تقرر أنه يجوز جمع أفعل التفضيل المقترن بالألف واللام على الأفاعل، ويلحق به في ذلك المضاف إلى المعرفة، وأنه يجوز تأنيثهما على الفعلى»(6)، وأما إجازة المطابقة وتركها أي استعمال (الأفعل) في موضع (الفعلى) فهو اقتراح لمحمد حسن عبدالعزيز(7)، تابعه فيه أمين السيد الذي حشد نصوصًا من أقوال النحويين وتعسف في استنتاج ما أراد، وانتهى إلى القول: «يجوز الإفراد والتذكير في استعمال أفعل التفضيل المحلى بأل كما تجوز مطابقته لما هو له، وتلزم المطابقة فيما سمعت فيه. وذلك أخذًا برأي ابن مالك وابن يعيش، واعتمادًا على شرح كلام الجزولي والزُبيدي، واستجابة لمن قصروا المطابقة على السماع كما في شرح التصريح، واستئناسًا بقرار المجمع المشار إليه فيما تقدم»(8)، وهذا الاقتراح متوقف فيها لأنه معتمد على ما شاع من استعمال الناس الذي فيه تعميم إفراد اسم التفضيل المقترن بمن وتذكيره، وهذا هو موضوع النزاع ومناط الخطأ، فكيف يعتمد عليه في التصحيح. وهو اقتراح يعقد المسألة بقوله بالتزام المطابقة في المسموع؛ لأن هذا يقتضي حفظ هذا المسموع، وهذا ليس بيسير، ولم يحدد مفهوم المسموع بدقة؛ أيدخل فيه ما استعمله المؤلفون في لغتهم وهو ليس من الشواهد.
وقوله -رحمه الله- «وذلك أخذًا برأي ابن مالك وابن يعيش وغيرهما» هو من نص اقتراح أمين السيد، وهو يوهم بأن الإمامين يذهبان إلى إجازة التزام الإفراد والتذكر، والحق أنهما نصّا على المطابقة، قال ابن يعيش «فأمّا إذا أدخلت الألف واللام، نحو: (زيدٌ الأفضل)، خرج عن أن يكون بمعنى الفعل، وصار بمعنى الفاعل، واستغنى عن (مِنْ) والإضافةِ، وعُلم أنّه قد بان بالفضل، فحينئذ يؤنث إذا أريد المؤنّث، ويثنّى، ويجمع، فتقول: (زيد الأفضل)، و(الزيدان الأفضلان)، و(الزيدون الأفضلون، والأفاضلُ)، و(هندٌ الفُضْلَى)، و(الهندان الفُضْلَيان)، و(الهندات الفُضْلَيات)، و(الفُضَلُ)»(9). فهذا نص بالتزام المطابقة. ويشرح ابن الناظم مذهب ابن مالك، قال «إذا كان أفعل التفضيل مجردًا لزمه التذكير والإفراد بكل حال، كقولك: هو أفضل، وهي أفضل، وهما أفضل، وهم أفضل، وهن أفضل، وإذا كان معرفًا بالألف واللام لزمه مطابقة ما هو له في التذكير والتأنيث والإفراد والتثنية والجمع، وهو المراد بقوله: وتلو (أل) طبق. تقول: هو الأفضل، وهي الفضلى، وهما الأفضلان، وهم الأفضلون، وهن الفضليات، أو الفضل»(10).
ولعل الذي أوهم من ذهب إلى إجازة الإمامين حديثهما هما وغيرهما من النحويين عن حكم اسم التفضيل المضاف إلى اسم محلى بأل؛ إذ يجوز إفراد اسم التفضيل أو مطابقته للمضاف إليه، قال ابن يعيش «فأمّا إذا أضيف، ساغ فيه الأمران: الإفراد في كلّ حال، تقول: «زيدٌ أفضلكم»، و«الزيدان أفضلُكم»، و«الزيدون أفضلُكم»، وتقول في المؤنّث: «هند أفضلكم»، و«الهندان أفضلكم»، و«الهندات أفضلكم»، والتثنيةُ والجمع إذا وقع على مثنّى أو مجموع، نحو قوله تعالى: {أَكَابِرَ مُجَرِمِيهَا} [123- الأنعام]»(11).
والغريب أن يرجح أستاذنا -رحمه الله- الاستعمال بما هو موضوع المنازعة فيذكر قول أحد الباحثين يعني نفسه(12)، وهو نص كرره في معجم الصواب اللغوي قال «ويرجِّح عدم المطابقة ما انتهى إليه بعض الباحثين من عدم إلف «فُعْلى» للتفضيل تأنيثاً لأفعل فيما لم يُسْمَع، مما كان داعيًا لظهور تعبيرات حديثة خرجت عن المطابقة، مثل: «القضية الأخطر»، و«الحياة الأفضل»، و«الوجبة الأطيب» .. إلخ. ويمكن اعتبار «أل» موصولة في هذه التعبيرات ويكون التقدير في هذا المثال المرفوض: الغاية التي هي أبعد»(13). ولو اقتصر أستاذنا -رحمه الله- على ما ختم به لكان قولًا.
ولعل سؤاله «هل يكون [الحلّ] في القول بقياسية تأنيث (أفعل) ونفرض ذلك حتى يصبح مقبولًا في الذوق فنقول: القضية الخُطْرى، الدولة الأُولى بالرعاية، الوجبة الطِّيبى؟»(14) أجدر بأن يجاب بنعم، فالقياس مذهب لبعض النحويين تؤيده المثل الكثيرة المستعملة في التراث(15).
... ... ... ...
(1) محمود أدهم، فنون التحرير الصحفي بين النظرية والتطبيق المقال الصحفي، ص: 83.
(2) أشار إلى ذلك أحمد مختار عمر في (العربية الصحيحة)، ص141.
(2) صحيفة (عكاظ) الثلاثاء/ 14/ ذو الحجة/ 1438 هـ الثلاثاء 5 سبتمبر 2017م.
(3) السيوطي، عقود الجمان في علم المعاني والبيان (ص: 49)
(4) أحمد مختار عمر، معجم الصواب اللغوي، الناشر: عالم الكتب، القاهرة، الطبعة: الأولى، 2008م، 1: 126.
(5) عمر، معجم الصواب اللغوي، 1: 126.
(6) في أصول اللغة، 1: 151.
(7) محمد حسن عبدالعزيز، «من مسائل اسم التفضيل»، في أصول اللغة، 4: 333.
(8) أمين السيد، «اسم التفضيل المقترن بأل»، في أصول اللغة، 4: 340.
(9) شرح المفصل لابن يعيش، 4: 129.
(10) شرح ابن الناظم على ألفية ابن مالك، ص: 344.
(11) ابن يعيش، شرح المفصل، 4: 129-130.
(12)عمر، العربية الصحيحة، ص140، 141ح1.
(13) عمر، معجم الصواب اللغوي، 1: 126.
(14) عمر، العربية الصحيحة، ص 141.
(15) ذكر عباس حسن في «النحو الوافي»، 3: 414 أن أمثلته تتجاوز المئة. ونشرت في تويتر صفحة ضمت 88 مثالًا.