«الجزيرة الثقافية» - حاوره/ جابر محمد مدخلي:
كتب روايتين وحمل إلى قارئهما المعاني العذبة، واللغة الصادقة في التعبير. حسين الأمير روائي شاب يعي مسؤولية أن تكتب لتعبّر عمَّا تراه أنت مناسبًا، وما تراه قادرًا على إقناع القراء. كان له طموح كبير من حيث كونه قارئاً نهماً، يقرأ كثيرًا حتى وجد نفسه أمام مشروعه الخاص الذي يرى أنه لأصدقاء الكتب أكثر من كونه يخصه هو. تلتقيه «الجزيرة الثقافية» بحوار نورد لكم نصه هنا:
- بين روايتين «دمعت هجر» و«من أنا؟ عندما هجموا» وصوت الراوي هو الضمير المتكلم.. فهل وجدت فيه ما يعينك على السردية ونقل الأفكار بسلاسة، أم أنه صوتك الروائي الثابت بأسلوبك؟
- هناك فترة زمنية تسبق كتابة الرواية هي الفترة التي يتعايش فيها الكاتب مع الشخصيات التي كونها للرواية، هذه الفترة مهمة بالنسبة لي فأجد نفسي أتحاور معها أو أحياناً أتقمص هذه الشخصيات، وتعتبر هذه الفترة زمنياً طويلة، تستمر كما في الروايتين إلى ما لا يقل عن سنتين ثم بعد ذلك أبدأ في الكتابة أحاول تجربة أكثر من طريقة، في كلتا الروايتين لم أجد أفضل من صوت الضمير المتكلم الذي يخدم الرواية ويبرز ما أرجوه خصوصاً أنني أميل إلى روايات التحليل النفسي وما يعانيه الإنسان، وربما التعايش والتقمّص الذي يحدث قبل الكتابة والقرب الشديد يفرض طريقة ضمير المتكلم ويجعلني أكثر ميلاً لها. مع ذلك استخدمت أسلوب الروائي العليم في فصول قليلة جداً في كلتا الروايتين لما تقتضيه الحاجة.
- المكان في روايتك الأولى بدا لي كما لو أنه محددًا ومؤطرًا وفق ما فرضته الأحداث، ولكنه بالثانية اتسع نطاقه وتعددت بيئاته.. هل يعني هذا أنّ تجربتكم صُقلت من عمل لآخر؟
- من المؤكد أن بعد كل إصدار سوف يضاف رصيد من المعرفة والتطور أكثر من قبل وسوف يسهم ذلك في صقل التجربة لأن الكاتب سوف يستمع لأكثر من رأي وأكثر من نقد وسوف يبدأ بمقارنة عمله بعمل آخر أو بعمله بعمل كاتب يميل لكتابته؛ في الرواية الأولى (دمعت هجر) ظروف الرواية ذات النوع التاريخي تفرض أمكنة محددة هي نفس البيئة التاريخية التي تتحدث عنها ولو بعدت لن تبعد كثيراً بخلاف الرواية الثانية (من أنا؟ عندما هجموا) التي تتحدث عن فترة زمنية حاضرة أو قريبة نسبياً، الزمن الذي نعيشه التنقّل فيه كما نراه الآن هو سريع جداً سواء عبر عالم الاتصالات والتقنية الذي ينقل الكلمة والمعلومة مباشرة أو من خلال السفر والتنقّل البشري ولذلك اتسعت رقعة المكان وفرضت الأحداث وعلى رأسها الإرهاب عدة أمكنه.
- في رواية «دمعت هجر» وتحديدًا في الصفحات: 84، 128 قرأتُ نصين شعريين متوسطي الطول، وهكذا في روايتك الثانية.. ألا ترى معي أنّ استشهادات كهذه قد تثقل بالنص، أو تُشتت القارئ عن الحدث الرئيس ولو قليلًا؟
- ربما شطر أو شطران يغني أو يغنيان عن قصيدة أو مقطع كامل لأغنية ما لكن كلما هممت بتقصير الحجم أميل إلى إبقائها كاملة، هناك ردود جاءت من قراء تميل للتحجيم وأيضاً ردود مالت لما أراه أن هذه النصوص بكامل حجمها تمثِّل حالة مشار لها في الرواية تسهم أكثر في إنجاح الرواية هدفي منها مشابه للحالة الشاعرية أو استخدام المونولوج التي التجأ لها أو يلجأ لها الروائي في روايته وهي تليين الواقعية السردية بمعنى إعطاء القارئ استراحة من السرد الطويل.
- «دمعت هجر» رواية فيها روح الكتابة الأولى الشغوفة للتعبير، ومع ما قد يطرأ على الكتابات الأولى إلا أنها جاءت حاملة لملامح الكاتب العليم بمثالب السرد.. فما الذي شعرته بعد طبعتها الثانية؟
- الرواية الأولى لها حالتها الخاصة إيجابياً أو سلبياً تتعلَّق بها هي فقط، وأيضاً ارتباك خاص بها لكنه مهم جداً، يجب على الكاتب أن يعي ذبذبات هذا الارتباك تماماً، ويقيس مدى امتصاصه النفسي والعقلي لوضعه الجديد. بعد الطبعة الثانية أدركت أنه مؤشر جيد للكتاب فتح لي باب التفاؤل بالاستمرار والسير نحو الأمام في عالم الكتابة الروائية.
* روايتك الثانية «من أنا؟ عندما هجموا» بدأتها بالنهاية.. ثم استمرت الأحداث بوتيرة متجهة بالقارئ وفي مخيلته كيف ستكون البداية؟ كيف توصلت لهذه الفكرة السردية؟
- الرواية كما تتحدث هي، عرضت نهايتها على الطاولة منذ البداية من خلال الصور التي عرضها أحد شخصيات الرواية، السؤال الذي سوف يتبادر لذهن القارئ؛ لماذا؟ وكيف؟ وهذا هو الهدف الذي من أجله أسست هذه الرواية التساؤل. وكان التساؤل واضح من خلال العنوان (من أنا؟) في حالة معينة وبالطبع الرواية تتحدث عن حياة كاملة من خلال أسئلة سوف يضطر القارئ أن يسأل نفسه ماذا لو كنت أنا؟ أو سوف يسأل من أنا؟ الطريقة ليست جديدة ولكنها نادرة أو غير مستهلكة، حاولت ابتداع طريقة في نفس الرواية وهي التي تعتمد على شخصيتين محوريتين تعتم د على الرسائل فيما بينهما طرح معاناتهما من خلال الحوار؛ هذه الطريقة أيضاً إن لم تكن جديدة هي غير مستهلكة، قدر الإمكان أحاول ابتكار تقنية غير مستخدمة في كتابة رواياتي مبتعداً عن الطرق الكلاسيكية البحتة وبالطبع تخدم بشكل أكبر ما أصبو إليه.
* بين الروايتين لا بد وأن علاقتك بالنقد والرؤى، والانطباعات من النقاد والقراء قريبة ومتصلة.. فهل تجعلك مثل هذه الرؤى تتريث في إصداراتك؟ وهل تعيد النظر فيما كتبته عند إعادة الطبعة لأي رواية؟
- آراء النقاد والقراء جداً مهمة سواء قارئ مبتدأ أو قارئ محترف وبالطبع الناقد لأن في النهاية ككاتب أنت تعرض كتاباتك على عقول لكل واحد منها رأي ونظره وتوجه مهم جداً الاستماع واستيعاب النقد مهما كان قاسياً أو غيره، لكنني بعد إصدار الرواية لا أميل إلى التعديل لأنني مؤمن بأن ما كتبته ينتمي لفترة زمنيه لها معرفتها الخاصة وحالتها النفسية المرتبطة بها.
> بين مشروع الروائي، ومشروع «أصدقاء بريد الكتب» الذي تقومون عليه؟ كيف أمكنكم التوفيق بين هذين الأمرين؟
- بالطبع لن يظهر شيء جديد إلا وسوف يكون على حساب شيء قائم ولو كان نسبياً. (بريد الكتب) هو قريب مما أعيشه مشروع ثقافي أهدف من خلاله توسيع رقعة الثقافة عن طريق بيع الكتب وتوفير أفضلها لمريديها ومحبي المعرفة والثقافة، هو في نفس الحقل الذي أنا فيه لكن كبداية يحتاج لجهد مضاعف ربما يؤخر عمل كتابي جديد ولكن حتماً لن يلغيه.
* كيف ترى تجربتك قياسًا بتجارب جيل الروائيين الجُدد؟ وما هي أبرز الأسماء التي أثّرت في أسلوبك الروائي؟
- الكتابات العربية للرواية متقاربة هي ليست بذلك العمق التاريخي عشرات السنين ليست بالفترة الطويلة مقارنة بأوروبا التي لها فترة زمنية عريقة بدأت من القرن السادس عشر الميلادي على أقل تقدير، مع ذلك التجربة العربية في كتابة الرواية جداً رائعة. جيل الروائيين الجدد ربما يميل إلى الاستعجال سواء بالحكم على نفسه أو بالإصدار، فنجد البعض ينسحب سريعاً مع أول إحباط أو على العكس نجد كثرة الإصدارات للمؤلف الواحد، وهناك أسماء من البداية أظهرت موهبة رائعة وحرص للتعلّم والاستفادة بشكل مميز، شخصياً أميل إلى التروي؛ مهم جداً لدي بأن أستوعب أكثر ما هو معنى رواية، وأتعمّق أكثر في فهم هذا المعنى طبعاً كل هذا يأتي من خلال التعلّم والتجربة والنقاش.
هناك عدة أسماء استفدت من تجاربهم الكتابية استفدت من الروائي محمد المنسي قنديل عندما يكتب عن أكثر من مكان وأكثر من زمن وإبراهيم نصرالله في تقنية الرواية ربيع جابر في إبراز المعاناة وعلي بدر في تكوين الشخصيات.