فيصل خالد الخديدي
لا تكتمل أطراف العملية الفنية إلا بعدة أركان من أبرزها وأهمها بعد المنجز الفني والمبدع لهذا العمل الفني، يأتي الجمهور المتلقي والمشاهد المتذوق للعمل الفني وهو أحد أهم أطراف العملية الفنية، ويتباين دور المتلقي في عدة مستويات بين تفاعل إيجابي وداعم للعمل الفني ومؤيد له ولتطوره واستمراره من خلال التقبل والإطراء والثناء على العمل وإبداء الجوانب الإيجابية والجمالية فيه دون مبالغة وتعظيم بما ليس فيه، وهذا المستوى له من الإيجابيات في الدعم للعمل الفني وصاحبه الكثير، وعليه من المآخذ الشيء اليسير التي تنعكس سلباً على الفنان والعمل الفني، ويأتي مستوى آخر من تفاعل المتلقي والمتذوق والجمهور مع العمل الفني وهو الرفض وعدم القبول الذي يصل في بعض الحالات للتهجم والتهكم وهذا المستوى رغم صعوبته ومرارته على الفنان والعمل الفني إلا أنه يعتبر تصحيحاً وتعديلاً لمسارات خارجة عن الإبداع والرؤية الجمعية والذوق العام لهذا المجتمع، وتأتي ردة الفعل هذه على حالتين إما أن المنجز الفني أقل من المستوى الإبداعي الذي طمح له هذا المجتمع الذي وصل إليه، والحالة الأخرى أن العمل الفني متجاوز وعي المجتمع وفاق برؤاه حدود أفق هذا المجتمع وثقافته، وفي مستوى ثالث للملتقي وتفاعله مع العمل الفني يأتي الصمت وهو بمرور العمل دونما أي تعليق بالإيجاب أو السلب أو أي رد على هذا العمل، وهي ردة فعل صادمة للفنان في عمله الفني الذي لم يحرك ساكناً عند المتلقي ومر بلا تأثير ولا تفاعل بل إنها ردة فعل مميتة للعمل الفني.
من الأعمال الفنية المحلية التي لاقت رواجاً وتفاعلاً على جميع مستويات المجتمع وحققت ردود فعل إيجابية وانتشاراً واسعاً يأتي عمل الفنان أحمد زهير الذي لقي رواجاً وإعجاباً جميلاً في حينه، ليس على مواقع التواصل فقط وإنما على أرض الواقع فأصبح مزاراً لفترة من الفترات وهو عمله (وين رايح) بعد وفاة الملك عبدالله - رحمه الله - الذي رسمه على أحد جدران شواطئ جدة ويظهر فيه الملك عبدالله راحلاً مع كتابة أبيات شعرية عن الملك عبدالله - رحمه الله -، فحقق العمل تفاعلاً كبيراً، ورغم إيجابية ردود الفعل التي حققها العمل وهو يستحق إلا أنها أطرت الفنان لفترة من الزمن ولولا أن إمكانياته الفنية عالية وثقته بنفسه وبإبداعه مرتفعة، لوقع أسيراً لإغراء ردود الفعل الذي حققها العمل، وهو قادر الآن على مواصلة مسيرته بكل اقتدار لعالميته المستحقة بعيداً عن عاطفة الرؤية المجتمعية التي صاحبت نجاحات عمله هذا.
ولعل ما حدث مؤخراً من ردود فعل غاضبة على الأعمال الميدانية التي نصبت في جدة ضمن مشروع مقترح عبارة عن مجموعة سيارات تالفة تم إعادة طلائها والتحجير لها بشكل غير لائق ووضعت على عدة منصات في أحد شوارع جدة وهو ما قابله المتلقون والجمهور بعاصفة من الردود الحارقة والمستهجنة والغاضبة التي ملأت مواقع التواصل، وكعادته الأمير خالد الفيصل أمير منطقة مكة المكرمة ينتصر للجمال ويأمر بإزالة هذه الأعمال. إن رأي الجمهور في هذه الأعمال كان أقرب للإجماع على رأي واحد أن مثل هذه الأعمال أقل من أن تكون في جدة التي عرفت من سبعينات القرن الماضي أجمل وأرقى الأعمال الفنية العالمية والمحلية مما شكل من شواطئها متحفاً مفتوحاً ومن دوراتها نُصب جمال. إن مثل هذا الوعي المجتمعي لماهية الجمال وارتفاع منسوب النقد المجتمعي لما يُقدم، يُحمل الفنانين مسؤولية كبيرة في اختيار ما يضيف لرؤية هذا المجتمع الذواق ولا يخذل تطلعاتهم لإبداعات أبنائهم.