من منا لا يعرف سندريلا والسندباد والأميرة النائمة وعلاء الدين؟ كل هذه الأسماء لشخصيات وُجدت في قصص وأفلام الأطفال، لكن.. هل حقاً تم تأليفها لتكون كذلك؟ من هو إذاً مؤلف هذه القصص؟ لماذا لم يُذكر مرة اسم مؤلف لسندريلا؟ ألم يكن سندباد وعلاء الدين جزءًا من قصص ألف ليلة وليلة؟
عند العودة إلى تاريخ أدب الأطفال نجد سرداً تاريخياً جديراً بالملاحظة، ففي الحضارة الفرعونية كان هناك الكثير من قصص السحرة التي سُجّلت على ورق البردى والتي انتقل بعضها للحضارة الهندية ولألف ليلة وليلة، كما أن كثيراً من الأدب المصوّر لشخصيات كالقط والماعز والفئران والأسود وغيرها من الحيوانات كانت حاضرة في الحضارة الفرعونية، وبالمثل كانت الحضارة السومرية، التي ظهرت فيها ملحمة جلجامش، والتي كانت تقوم -ككثير من القصص في ذلك الوقت- على شخصيات وأحداث كانت جزءًا من المخيال الأدبي والاجتماعي للكبار والصغار.
في التراث العربي، لم يكن مفهوم أدب الأطفال مستخدماً أو معروفاً، فقد كان الطفل يُروّى الشعر والأمثال ويُعلّمهما، وكثير من العرب كانوا يبعثون أبناءهم للصحراء ليتعلموا اللغة العربية الصافية كما كان الخلفاء يأتون بمؤدبي الصبيان من أجل تعليم وتأديب أبنائهم الصغار..
بعد كل هذا الزمن بدأ أدب الطفل على استحياء في أواخر القرن السابع عشر في فرنسا حين قدم تشارلز بيرو أول مجموعة قصصية للأطفال سنة 1667 ، إذ تعتبر هذه السنة سنة ميلاد أدب الأطفال، وقد تأرجح أدب الأطفال بين الأدب الشعبي والقصص الخرافية وبين الأدب الموجه للكبار، مع استمرار المجتمع في عدم اهتمامه بالطفولة بشكل خاص، فقد كان الطفل يعيش ضمن نطاق عائلي ومنظومة متكاملة وأسر ممتدة ليكون جزءًا منها فيأكل ما يأكله الكبار منذ صغره، يلبس ما يلبسون ولكن بعد تصغير حجم الملابس، ويستمع لذات القصص التي يستمعون لها، وقد كان أغلبها قصصاً شعبية شفهية.
وفي عام 1812 ظهر الجزء الأول من كتاب حكايات الأطفال والبيوت والذي كان عبارة عن تجميع للقصص الشعبية في ألمانيا، جمعها الأخوان جريم من أفواه الأمهات والجدات، وفي عام 1814 ظهر الجزء الثاني.. من هذه القصص نعود لبداية المقال، سندريلا والأميرة النائمة وبياض الثلج وغيرها الكثير من قصص الأميرات و»الفيري تيلز» كانت ضمن القصص الشعبية في هذه الكتب، وهذا يفسر عدم وجود كاتب باسمه لأي قصة من هذه القصص.. وتتمة القصص الشعبية التي صارت جزءًا من التراث الشعبي العالمي تم تجميعه في الدنامارك كقصة الحورية الصغيرة والبط الدميم. كل هذه القصص يمكن أن تقدم فهماً مختلفاً حسب إسقاطات كل قصة، هل كان الوحش الذي أرجعته قبلة الجميلة إلى أمير وحش فعلاً؟ أم كان وحشاً إنسانياً هذبه حب الأميرة وذكائها وأرجعته إليه إنسانيته؟ كم من التأويل يمكن إسقاطه على كل قصة قديمة تجعلنا نخرج منها بحس بشري وإنساني لا يرتبط بمكان أو زمان.
تطورت كتب الأطفال بشكل سريع في العصور اللاحقة مروراً بصدور أليس إن وندر لاند والأرنب بيتر في بريطانيا، وانتهاء بكل التطور على مستوى الكتب ونمطها وظهور ناشرين لكتب أطفال ومواضيع حديثة عصرية في أمريكا خاصة بعد ظهور وتطور مفهوم الطفولة وما تبعه من ظهور المدرسة كنظام تعليمي، طبعاً كل قصة يمكننا ربطها بالتطور الفكري والحضاري في زمن صدورها.. الحرب العالمية، الثورة الصناعية، تحرير المرأة.. وغيرها من القضايا المهمة والمفصلية التي أثرت في الأدب والفنون وكل مظاهر الحياة.
أما في العالم العربي فلم يكن الوضع مختلفاً، فقد امتلأت البيوت العربية بقصص الجدات الشعبية المحكية بدءًا من دول الخليج ومروراً ببلاد الشام والعراق والمغرب العربي، تتشابه القصص في سحرها ولكنها تختلف في لهجتها المحكية، تتشابه في قيمها العامة وتختلف في سياقاتها. هذه القصص التي شكلت وحملت نبض المجتمعات ونسجت همومها ورؤاها المختلفة عبر مراحل تطورها ونموها. أما بداية أدب الأطفال المدوّن في العالم العربي فقد ابتدأ ترجمة بعض الكتب مثل سلسلة ليدي بيرد في لبنان والجزيرة الخضراء في مصر، في الخليج كانت البدايات بظهور مجلة ماجد في الإمارات وعدد من المجلات الأخرى.
في إطار كل ذلك لم يكن لكتاب الطفل ظهور واضح كالرواية والشعر وغيرها من كتب الكبار سواء في العالم العربي بشكل عام أو الخليج والمملكة بشكل خاص.
وإذا عدنا لتاريخ أدب الأطفال في المملكة نراه يرجع إلى الستينات من القرن الماضي، ورغم خلو الساحة الثقافية من الرصد المنهجي لهذا النوع من الأدب ومن التراجم الخاصة بالمؤلفين إلا أننا نستطيع القول إن بدايات المرحلة الأولى كانت عام 1959 بصدور العدد الأول من «مجلة الروضة» على يد طاهر زمخشري، حيث كانت مجلة ثقافية مصورة للأطفال كتب فيها عدد من الكتاب السعوديين.
بعد أن توقفت مجلة الروضة عن الصدور خصصت في الصحف المحلية - مثل جريدة البلاد والمدينة والجزيرة والرياض - صفحة مستقلّة للأطفال بها حكايات ومعلومات ثقافية وترفيهية، استمر ذلك حتى صدور العدد الأول من مجلة الأطفال «حسن» عام 1977 ، وكما هو واضح ففي المملكة سبق إنتاج مجلات الأطفال وكتابة الصفحات المخصصة للأطفال في الجرائد إنتاج كتب الأطفال بشكل فعلي، حتى عام 1980 حين تأسست بعض دور النشر التي نشرت عدداً من كتب الأطفال لكتاب سعوديين كانوا روّاداً في هذا المجال مثل عبدالكريم جهيمان ويعقوب إسحق وفريدة فارسي وغيرهم.
الآن نحن نعيش الجيل الثاني من كتّاب وكتب الأطفال في المملكة، وقد ظهرت أسماء كثيرة من كتّاب ورسّامين وتطور هذا المجال في القصص ولغتها الأدبية وفي الرسومات والإخراج حتى صار للسعوديين بصمة خاصة فيما يُنتج من كتب للأطفال.
ثمّة أسماء عُرفت على مستوى الخليج والعالم العربي ودور نشر سعودية خاصة بكتب الأطفال تحاول أن يكون لها بصمتها الخاصة على مستوى إنتاج كتب الأطفال في الدول العربية بشكل خاص وفي العالم بشكل عام.
** **
- د. أروى خميّس