خالد بن حمد المالك
لا أستبعد أن تكون هناك كلمة سِرٍّ بين الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، وأنَّ هذه الكلمة المحاطة بالسرية قد أفضت إلى إمهال إسرائيل المدة التي تريدها لمواصلة عدوانها على غزة حتى تحقق كل أهدافها، أي أن واشنطن ربما تكون غير ممانعة في قرار بدء إسرائيل بالعدوان، ومن ثم تحديد توقيت إعلانها إيقافه.
* *
فأهداف إسرائيل عادة ما تكون غير مُعلنة، وما تعلنه لا يعدو أن يكون عموميات، كأن تقول إن لها الحق في الدفاع عن النفس، وأنها ترفض التهدئة قبل تحقيق أهدافها، ولكن ما رأيناه رأي العين من مشاهد دموية وخراب، أن إسرائيل كانت تريد أن تحوِّل غزة إلى أرض محروقة، لا يهمها قتل الناس، وإزالة المباني، والقضاء على البنية التحتية.
* *
وقد رأينا الأبراج والمنازل يتم إزالتها بالكامل بصواريخ العدوان على رؤوس ساكينها، وكيف أصبحت غزة مهددة بأن يعيش أهلها بلا ماء ولا كهرباء، وأن المستشفيات أصبحت غير قادرة على استيعاب المصابين، فضلاً عن النقص الحاد في كميات الأدوية والأجهزة، مما تحتاجه المستشفيات في هذا الظرف العصيب.
* *
السؤال.. من كسب وخسر في هذه الجولة من المعركة الأشرس والأعنف بين غزة وإسرائيل؟ في ظل إدعاء كل من الطرفين بأنه خرج من القتال بانتصار غير مسبوق، وأنه لم يخسر المعركة، فيما كانا معاً حريصَين في نهاية المطاف على أن تنجح الوساطات لوضع حدٍّ ونهاية لهذا القتال الدامي الذي استُخدمت فيه كل الأسلحة المدمرة من الجانبين.
* *
بقراءة موضوعية ومتأنية لا أعتقد أن إسرائيل أو حماس خرجتا من هذه الجولة وهما أقوى مما كانا قبل هذه الحرب، أو أن أحداً منهما شَلَّ القوة التي يملكها الطرف الآخر ليكون منتصرًا، مع عدم وجود المقارنة والتكافؤ عسكرياً بين الجانبين، غير أن الجديد في هذه الجولة مقارنةً بالجولات السابقة أن التنظيمات الفلسطينية -حماس والجهاد تحديداً - أصبحت تمتلك صواريخ عابرة من غزة إلى كل المدن والبلدات والمواقع الإسرائيلية، وهو ما لم يحدث من قَبل، مع أن تأثيرها كان محدوداً في إحداث أضرار بالمباني، كما أن عدد القتلى والمصابين من الإسرائيليين لم يكن كبيراً.
* *
الملفت للنظر لمن تابع سير القتال غير المباشر، بحكم أن الطرفين لم يدخلا حربًا برية - إسرائيل تحديدًا كما كان يحدث من قبل- ولم يدخلا في حرب شوارع، وإنما اعتمدا على الصواريخ التي تنطلق من بُعد سواء من غزة، أو تلك التي تطلقها الطائرات الإسرائيلية، الملفت في ذلك أن الدمار كان شاملاً والقتلى بالمئات والمصابين بالآلاف، وكله كان في الجانب الفلسطيني، وهذا طبيعي لوجود الفوارق الكبيرة في موازين القوى، وفي العدة والعتاد، لكنه أظهر أن لدى الفلسطينيين القدرة لتطوير قدراتهم العسكرية مستقبلاً، بأكثر مما رأينا، مما دعا أمريكا إلى الإعلان بأنها سوف تطوِّر وتدعم القُبَّة الحديدية الإسرائيلية التي فشلت في اقتناص كل الصواريخ الفلسطينية قبل سقوطها في إسرائيل.
* *
المهم في هذه الحرب أن حماس والجهاد أطلقتا صواريخهما ضد إسرائيل بأعداد كبيرة انتصاراً لأهالي القدس، وسكان حي الشيخ جراح المهددين بإخراجهم من منازلهم، وإسكان المستوطنين الإسرائيليين فيها، فهل لدى حماس والجهاد النية - كما هددتا - بأنهما لن تسمحا لإسرائيل باستمرار العدوان على المقدسيين بما في ذلك أهل حي الشيخ جراح واستباحة المسجد الأقصى، لتبدأ جولة جديدة انتقاماً ودفاعاً عن المسجد الأقصى وأهل القدس من الفلسطينيين كما كان هذا سبب هذه الحرب؟ أشك في ذلك، بل المؤكد أنهما لن تفعلا حتى لا تتعرض غزة لتكرار ما تعرضت له من دمار، وسكانها من قتل وإصابات.
* *
أخيرًا وبعد أن وَضعتْ هذه الحرب أوزارها، فإن الحديث بدأ يتركز على أن تكون التهدئة مستمرة، وعدم العودة إلى القتال مرة أخرى، وعلى إعادة إعمار ما دمرته الحرب في غزة إلى ما كان عليه، ولم يكن هناك جِدِّية في تحريك المفاوضات وصولاً إلى إقامة الدولة الفلسطينية، خاصة مع تأكيد أمريكا على أن عدوان إسرائيل هو دفاع عن النفس، واعترافها من قَبل بأن القدس عاصمة لإسرائيل، وقد لاحظنا أن وزير خارجة أمريكا لم يتحدث عن خيار الدولتين خلال مباحثاته في إسرائيل، بينما أشار إليها إشارة عابرةً لا يُفَهم منها جِدِّية أمريكا في تحقيق الحلم الفلسطيني.