اللواء الركن م. سلامة بن هذال بن سعيدان
منذ اندلاع الثورة الإيرانية قبل أربعين سنة وحتى الآن، والنظام الحاكم في إيران يمارس نشاطات مشبوهة، يعمل من خلالها على زعزعة الاستقرار في المنطقة، وتهديد الأمن والسلم على المستويين الإقليمي والدولي، وذلك عن طريق تصدير ثورته ونشر مذهبه واحتضانه للإرهاب، كما تمكن من إيجاد ترسانة من الصواريخ الباليستية التي يتوج بها سعيه الحثيث لإنتاج الأسلحة النووية، كل ذلك من أجل اتساع نفوذه وتحقيق أهدافه الاستراتيجية ومطامعه الجيوسياسية.
ومن الواضح أن الخطر المترتب على بلوغ إيران إلى ما تصبو إليه من القوة العسكرية وامتلاكها للسلاح النووي ينصب على جوارها العربي بسبب العداوة ذات العوامل التاريخية والجغرافية والمذهبية المتجذرة في نفوس الفرس منذ الأزل، حيث إن طموح إيران النووي وترسانتها الصاروخية وطائرتها المسيرة وقوتها التقليدية وما فوق التقليدية، كلها تهدف إلى تكريس نفوذها في المنطقة العربية، وتحقيق مطاعها الجيوسياسية على حساب الأمة العربية التي تعاني ما تعانيه من التشرذم والتشتت نتيجة للأوضاع التي تمر بها هذه الأمة من جراء الاختلافات المذهبية والمشكلات الداخلية والتدخلات الخارجية.
وعداوة الفرس بأبعادها التاريخية والجغرافية والمذهبية تجاه العرب تتخذ بعداً آخر يزيد من خطورتها على المدى القريب والبعيد، إذ إنه منذ القدم والصفوية الفارسية ومن يدور في فلكها من المكون الشيعي تمثل مطية للغزاة ضد الأمة الإسلامية، وتحديداً ضد الأمة العربية التي اكتوت بنار هذا الغزو أكثر من غيرها.
وإذا كان التاريخ يعيد نفسه، وأحداثه تتكرر مع الزمن فإن الصفوية الفارسية في هذا العصر تلتقي أهدافها الاستراتيجية ومطامعها الجيوسياسية في الوطن العربي مع أهداف ومطامع الحركة الصهيونية على نحو يخدم المخطط الاستعماري الذي يتطلع أصحابه إلى السيطرة على المنطقة العربية ورسم خريطتها من جديد، وتحويل دولها إلى دول فاشلة، وفقاً لنظرية الشرق الأوسط الكبير ومفهوم الاستعمار الجديد.
والمتتبع للأحداث الجارية في المنقطة منذ عقود زمنية خلت يتضح له بما لا يدع مجالاً للشك أنه لا يوجد عداوة حقيقية بين نظام الملالي في إيران وبين كل من أمريكا وإسرائيل، على الرغم من تبادل الشعارات العدوانية والمزايدات الإعلامية والملاسنات الكلامية بين النظام الحاكم في إيران من جهة، وأمريكا والكيان الإسرائيلي من جهة أخرى، تلك الشعارات الكاذبة والمزايدات الخائبة التي استطاعوا من خلالها أن يخدعوا العرب الذين هم المستهدف الحقيقي من قبل الأطراف الثلاثة بهدف الإيقاع بهم وجعلهم ضحية لما يبيت لهم من مكائد، ويحاك ضدهم من مؤامرات، يراد منها الاستيلاء على أوطانهم وتمزيق كيانهم كما يشهد عليه واقع الحال الذي ينذر بسوء المآل.
والنفوذ الفارسي في المنطقة كسر القيود وتجاوز الحدود وذهب بعيداً في التوسع عبر تصدير الثورة، متخذاً من النزعة المذهبية الداعية إلى التشيع جسراً يعبر من خلاله إلى عدد من الدول العربية، مستفيداً من الأذرع الداخلية والأقليات المذهبية التي يدعي مناصرتها حتى وصل به الأمر عن طريق هذه الأذرع والأقليات إلى تهديد الأمن القومي العربي والتدخل في شؤون بعض الدول العربية والنيل من نسيجها الاجتماعي وهويتها الوطنية وانتمائها القومي.
والعداوة الصورية لم تصمد طويلاً أما العلاقة غير الشرعية، إذا تمكنت إيران من التغلغل في العراق في ظل الغزو الأمريكي الذي مهد له الطريق لتستظل بمظلته وتدعي محاربته، منتهياً بها الامر إلى ما انتهت إليه الآن من احتلال العراق وانتهاك سيادته والعبث بأمنه مع التذرع بمحاربة الإرهاب الذي تحتضنه وترعاه لقتل المنتمين للمكون السني وإجبارهم على النزوح خارج مناطقهم، وفي سوريا استظلت إيران بمظلة المحتل الروسي لقتل وتهجير الشعب السوري وتغيير الديموغرافية السكانية بالنسبة للأكثرية السنية لتحل محلها الأقلية العلوية والمليشيات الشيعية الوافدة.
والمد الصفوي الذي يعمل دعاته على الإخلال بأمن المنطقة والتوسع المذهبي من أجل نشر التشيع بما يخدم التوسع في النفوذ وبلوغها الأهداف، لم يقتصر ذلك على دولة بعينها، بل تحول المد والتشيع من هلال شيعي إلى دائرة شيعية، فعلاوة على شبه احتلال العراق وسوريا، هناك التدخل السافر في الشأن اللبناني والشأن اليمني والتباهي باحتلال أربع عواصم عربية لأثبات الوجود أمام القوى الاستعمارية التي أطلقت يد نظام الملالي لتنفيذ مخططاتها في المنطقة العربية، ولسان مقال هذا النظام وواقع حاله هو التأكيد بأن الخلف يسير على طريق السلف معيداً إلى الذاكرة ما كان يفعله الوزير ابن العلقمي ومَنْ على شاكلته ضد الإسلام السني تحت راية أعداء الملة والدين.
وبهذا الصنيع أتاح نظام الملالي الفرصة وفسح المجال للكيان الإسرائيلي لتحقيق حلمه بالتوسع، حيث صرف الانتباه عن ممارساته من جهة والمشاركة له في استعداء العرب من جهة ثانية، الأمر الذي خفف الضغط عليه وعزز موقفه على نحو ينسجم مع المخطط الأمريكي في المنطقة، وبذلك انكشف الوجه القبيح لنظام الملالي وافتضح دوره القذر في خدمة الغزاة ضد المسلمين ومحاربة الإسلام من الداخل، متسلحاً بالانتماء إليه في سبيل الإجهاز عليه، خائناً لأمانته ومثبتاً عمالته، مع تقديم الدليل القاطع والبرهان الساطع على أن الصفوية الفارسية والصهيونية تمثلان وجهان لعملة واحدة.
وقد أماطت الثورة السورية اللثام عن وجه محور الممانعة الذي لم يعد بإمكانه إخفاء سوءته والتمويه على خبث عمله، بعد أن سقطت الأقنعة، ووهت الذرائع والحجج، وافتضح المستور وتأكد المخبور نتيجة لخيانة هذا المحور الضال للمبدأ الذي يدعيه من خلال تحالفه مع الأعداء لقتال الشعب السوري المسلم، محارباً الإسلام من الداخل في الوقت الذي يتظاهر بالدفاع عنه. ومن المسلم به أن العلاقة بين النظام الحاكم في إيران وكل من إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية يختلف ظاهرها عن باطنها، فما فوق الطاولة مغاير لما تحتها وما يمارس في الخفاء بعيداً كل البعد عما يحصل في العلن، حيث إن العداوة المفتعلة بين الطرفين يقابلها علاقة تقاطع مصالح واتفاق في الأهداف وتوافق في استهداف الأمة العربية بصورة تعتبر بموجبها إيران في خندق واحد مع اليهود والأمريكان ضد الإسلام والأمة الإسلامية، خاصة الإسلام السني.
ومن هذا المنطلق، وعلى ضوء الحقائق والوقائع الثابتة، فإن العلاقات الإيرانية الإسرائيلية الأمريكية تعتبر في أفضل حالاتها مهما حاول أطرافها خداع وتضليل الآخرين عبر افتعال المواقف واختلاق الأزمات وإطلاق الشعارات الكاذبة والتصريحات الفارغة التي يراد منها إيهام دول المنطقة بوجود عداوة بين نظام الملالي وكل من إسرائيل وأمريكا، لكي ينطلي على هذه الدول ما يجري خلف الستار من اتفاقات سرية، وما يحاك في الخفاء من مؤامرات خفية تخدم أهداف أمريكا وتصب لمصلحة إسرائيل باعتبار دولة إسرائيل تشكل قاعدة الاستعمار في المنطقة.