تراه إذا قد جئته متهللا
كأنك تعطيه الذي أنت سائله
هكذا كان الشيخ عبدالله بن إبراهيم السبيعي -رحمه الله- روحًا متهللة عند العطاء، يتلذذ بمجلسك وقربك حينما تُطمئنه عن جائع شبع، أو يتيم كُفل، أو غافل نُبِّه، أو جاهل عُلِّمَ، أو مريض عُولج.. هكذا كانت روحه الطيبة ونفسه المباركة. وحين تُحدِّثهُ بذلك فكأنما تَسقيه العسل المصفى.
إذا أردت أن تزيد سعادته وانتشاء روحه فحدِّثهُ عما فعل أبناؤه وبناته من عطاء للمجتمع وخدمة للوطن وضبط لأداء العمل. قلت له ذات مرة: "دعمنا عدد كذا من المحاويج، وكان الدعم منك ومن بناتك"، ففرح بذلك كثيرًا، وأحسب أن فرحته كانت مختلفة عن كل مرة، واغرورقت عيناه فرحًا، وقد كان يعلم أنهم كلهم معه على طريق خدمة عباد الله، إلا أنّ َفرحة العطاء عند مثله لا تقف عند حد، ومن ذلك أنه وجهني وفريق العمل قائلًا: "لا تنْس نفسك من الصدقة"، وفي هذا توجيه حكيم لممارسة العطاء الذاتي؛ لتستمر روح العطاء.
فهو مانحٌ من الطراز الأول، لا يسمعك فقط، بل يذكر لك أساليب ويفتح لك زوايا جديدة،
مثل معالجة الفقر، ونوع كفالة اليتيم، ومناطق التمركز في دعم الصحة والزواج، وهو كذلك منفق ومعطٍ من طراز نادر، يوجّه للتنوع في المجال، وفي نوع الخدمة، فلا تدري أين مكان القبول من الله، كما أنه مُمَكِّن ومفوّض ومحاسب من خلال أدوات العمل، يُعطي المجالس حقها من التوجيه والرأي والنقد، ويطلب من فرق التنفيذ العمل والرفع بالنتائج. ونوع الإدارة عند الشيخ -رحمه الله- هي: قيادة التمكين والمحاسبة، كما أنه أبٌ مربٍّ، يعتني بالنفسيات متى كانت عاملة وواعية وباذلة، وهو أب محاسب عند التقصير غير المبرر، لا يتكلم كثيرًا لكنه يصيب كثيرًا؛ وذلك لحكمته ورُشده وتجربته. والشيخ في
طبيعته الأبوية لا يجامل ولكن بالتي هي أحسن من القول والفعل. حين تراه تهابه، وذاك رزق رزقه الله إياه، لا يتكلفه، ولا يبحث عنه، لكنك تجده في وجوه كل من يقابل، ومع هذا فهو مازح جدًّا، يحتفل بالموقف، ويعيش اللحظة ولا يتكلفها..
جاء ذات يوم إلى ساحة الحرم، فوجهه العسكري إلى مدخل آخر غير الذي أراد، فجاء رئيسه وقال: دع العجوز يدخل المكان فذاكَ بعيدٌ عليه، فتبسَّم وقال: "أنت العجوز وأنا بأروح من بعيد"، فقال الرئيس -بروحٍ جميلة - لزميله: "أدخل الشاب من هنا"، فقال الشيخ: "الآن طيب".. تبسم وأدخل الابتسامة ودعا بدعوة الشكر: "جزاك الله خيراً".
عُني الشيخ بالقرآن الكريم، فهو حافظ له، ويُرجع فضل إتقان حفظه إلى أخيه محمد -رحمهما الله جميعًا-، وقد كان دائم العلاقة بالقرآن، لا تكاد تراه في خلوته إلا ومعه هذا الصاحب الدائم، ولا يكاد مجلسه يخلو من موعظة تبدأ بتلاوة آيات بأدائه النجدي الجميل الذي يدخل قلبك ويغزو نفسك، وهو يفرح بدعم أهل القرآن الكريم تلاوة وحفظًا وتعلمًا.
وللشيخ ارتباط بوالدته، فلا يكاد يمر مجلس إلا ويذكر فضلها وروحها وحبها وحنانها؛ لذا فهو يعيش معها وبتوجيهها في كل تفاصيل حياته، والاسم الذي دائمًا ما يكرره: "أمي" ثم يصفها: ".. ما مثلها".
وكذلك ارتباطه الوثيق بأخيه محمد الذي خط وسار معه في طريق الحياة فلا يكاد يذكر نجاحًا إلا ولأخيه نصيب من ذكره، وذلك - لعمرو الله - الوفاء والجميل الحكيم.
والشيخ مرتبط بأبنائه وبناته، وعارف بهم وبتوظيفهم في احتياجات عمله في الاستثمار مع الله أو في الدنيا، يحيطهم بحب حكيم ورأي سديد وحزم أكيد، وهو كذلك مع أحفاده فرح بهم، ومحتفل بنجاحاتهم دون ضجيج، وبعقلية وقلب الأب الشفيق المربي.
ختاماً: للمال مع الشيخ حكاية جميلة لم ينشغل بها ولم تشغله، وإنما جعلها طريق عبادة ورواية، وهذا ما سأكتب عنه بتفصيل من مدرسة عبد الله السبيعي رحمه الله.. وصدق القائل:
المال في كف التقي عبادةٌ
وبكف أصحاب الهوى أغلالُ
رحل الرجال غنيهم وفقيرهم
لم يبقهم في ملكهم أموالُ
وسيُبعثون ويُسألون جميعهم
يا ليت شعري ما الذي سيُقالُ
نسأل الله لوالدنا الشيخ قبولاً لعطائه فقد كان يستعد لهذه اللحظة.. يا رب استقبله وأنت تضحك له ويضحك.
** **
د. حسن بن محمد آل شريم - أمين عام السبيعي الخيرية