د.عبدالإله ساعاتي
تعاقب على وزارة الصحة منذ إنشائها في عام 1371هـ العديد من الوزراء ابتداء من أول وزير للوزارة سمو الأمير عبدالله الفيصل -رحمه الله- وحتى الوزير الحالي الدكتور توفيق الربيعة -وفقه الله-.
ولقد أدى كل وزير دوره وقام بواجباته وكان في مستوى الثقة الكريمة.. ولكن وزارة الصحة همومها كثيرة ومسئولياتها جسيمة وتكاليف خدماتها باهظة وتطورات تقنياتها متسارعة.. وحساسية عملها كبيرة فهي تختص بأغلى ما يملك الإنسان ألا وهو (صحته).
والخدمات الصحية عموماً في معظم دول العالم لا تحظى بالرضا والقبول من قبل الجمهور.
أقول هذا بعد أن فرغت للتو من قراءة كتاب جديد للدكتور عثمان بن عبدالعزيز الربيعة، وعنوانه (قضايا – تحديات – خيارات تعكسها مذكرات ستة وزراء للصحة وثلاثة أطباء استشاريين).
حيث اختار الدكتور الربيعة الوزراء التالية أسماؤهم:
- الأستاذ جميل الحجيلان
- الدكتور حسين الجزائري
- الدكتور غازي القصيبي
- الدكتور عبدالعزيز الخويطر
- الدكتور أسامة شبكشي
- الدكتور حمد المانع
- واختارهم الدكتور الربيعة لأنهم هم الوزراء الذين قاموا بنشر مذكراتهم حول عملهم في الوزارة.
- ولقد تناول الكتاب بالتحليل توجهات كل وزير والنهج الإداري الذي تبناه كل منهم.
- والدكتور عثمان بن عبدالعزيز الربيعة الذي عمل في وزارة الصحة على مدى سنوات طويلة في وظائف قيادية كان آخرها وكيلاً لوزارة الصحة للتخطيط والتطوير.. يتميز بقدراته البحثية والتحليلية وجلده على الدراسة.. ولذلك جاء الكتاب متضمناً دراسة تحليلية عميقة لإنجازات كل وزير من الوزراء الستة ونهجه الإداري والقيادي وأسلوب عمله إضافة إلى الرؤى والمشاعر التي وقفت وراء الإنجازات.
- ولقد حظيت شخصياً بالعمل مع الدكتور عثمان الربيعة عندما كنت مديرا عاما للتدريب والابتعاث بالوزارة مرتبطا وظيفيا به كوكيل للوزارة للتخطيط والتطوير.. وأعتبره «أستاذي» الذي تعلمت من تواضعه وحكمته وفكره وعلمه وعمق نظرته ومثابرته.
- ومن خلال دراسة مذكرات الوزراء الستة فإن الكتاب تناول بالتحليل التطورات التاريخية التي شهدتها الوزارة في حقب زمنية ومراحل تاريخية مهمة على مدى نحو أربعة عقود من عمر الزمن وتحديداً من عام 1970م إلى عام 2009م.
- استهل المؤلف كتابه بالحديث عن الأستاذ جميل الحجيلان.. الذي فوجئ عندما تولى وزارة الصحة في عام 1390هـ بأن ميزانية مستشفى أرامكو تعادل ميزانية وزارة الصحة آنذاك - وذلك قبل خمسين عاماً -.
- وفي عهده صدر نظام تفرغ الأطباء.. وقام بابتعاث الشباب لدراسة تخصص ادارة المستشفيات في الولايات المتحدة الأمريكية لأول مرة في تاريخ الوزارة، بهدف إعداد شباب سعودي متخصص في إدارة المستشفيات ليتولوا إدارة المستشفيات في المملكة بعد تخرجهم.. وبالفعل عادوا وتولوا إدارة المستشفيات ومديريات الشئون الصحية بنجاح.
- أما الدكتور حسين الجزائري الذي تولى الوزارة من عام 1975 إلى 1982م فلقد قام بإنشاء العديد من المستشفيات في المدن التي لم يكن بها مستشفيات وقام بتطوير المستشفيات القائمة.. ومنها المستشفيات الخمسة التي أنشئت في المدينة المنورة وجدة وجازان والخبر والهفوف والتي لا تزال حتى يومنا هذا تقوم بدور رئيسي في تقديم الرعاية الصحية في هذه المناطق.
- كما اهتم بالرعاية الصحية الأولية وتبنت الوزارة في عهده مفهوم الرعاية الصحية الأولية.. وقام بالتعاقد مع شركة إيطالية لإنشاء (40) مركزاً صحياً.. وقام بتطوير خدمات الحج الصحية.. كما لاحظ أن الأدوية تخزن في بيوت مستأجرة غير مهيأة لتخزين الأدوية.. فقام بإنشاء مستودعات للأدوية في المناطق.
- أما الدكتور غازي القصيبي الذي تولى الوزارة في عام 1983م وأعفي في عام 1984م.. فإنه رغم أنه يرى أن عدم الرضا عن الخدمات الصحية هو ظاهرة عالمية.. إلا أنه كان يرى أن من أسباب تردي الرعاية الصحية في المملكة هو التعاقد مع عدد غفير من غير السعوديين بطريقة ارتجالية ومن جنسيات متعددة.. إضافة إلى اتساع مساحة المملكة.. وأقر بأن هناك حالة من عدم الانضباط وعدم المبالاة من قبل العاملين.. إضافة إلى بقاء أصحاب المراكز القيادية في مواقعهم فترة طويلة.. فأتخذ قرارات وإجراءات عاجلة لاقت صدى شعبياً وإعلامياً واسعاً.. حيث استهدف ترسيخ الانضباط والحزم مع العاملين.. وتبنى حلولاً عاجلة لمعالجة قصور البنية التحتية بما سماه (الإدارة بالأزمات).. حيث قام باستئجار عمائر وفلل بدلاً من المهترئة ونقل ملكية فندقين في الرياض والظهران إلى ملكية وزارة الصحة.. وحرص الدكتور القصيبي على بناء علاقات ودية بين الوزارة والمواطنين وقام بإنشاء 18 جمعية لأصدقاء المرضى في مختلف مناطق المملكة.. كما أنشئ في عهده كادر خاص لذوي المؤهلات العالية النادرة مما مكن الوزارة من التعاقد مع أخصائيين من دول أوروبا وأمريكا. كما قام بدعم مستشفيات القطاع الخاص.. واهتم بالطب الوقائي ومراكز الرعاية الصحية الأولية.. وكان حلمه ان يكون هناك مركز صحي في كل حي وقرية.
- كما تحدث المؤلف عن الدكتور أسامة شبكشي الذي تولى وزارة الصحة خلال الفترة من 1995 إلى 2003م.. وفوجئ أول ما تولى بإحجام شركات الأدوية عن التقدم لمنافسات الوزارة بسبب تراكم الديون عليها وتأخر صرف مستحقاتها.. فعالج هذه الإشكالية بنجاح في فترة زمنية قياسية.. كما اهتم بترشيد الإنفاق وقام بتشكيل لجان مراقبة المخزون وتحرير الوزارة من ديونها وصرف مستحقات الموظفين المتأخرة.. كما طبق أسلوب التشغيل الذاتي للمستشفيات بدلاً من التشغيل الطبي عن طريق الشركات. وفي عهده أنشأت الوزارة (84) مستشفى في مختلف انحاء المملكة وهو عدد كبير وغير مسبوق.. كما نفذ مشروع ضخم لتطوير مستشفى الرياض المركزي.. وفي عهده صدر نظام الضمان الصحي التعاوني.. كما صدرت أنظمة صحية هامة واستراتيجية منها (النظام الصحي) و(الاستراتيجية الصحية).. وقام بتطوير الخدمات الصحية في الحج بشكل ملموس وواسع.. واهتم كثيراً بالهيئة السعودية للتخصصات الصحية التي توسعت وارتفع دورها وتأثيرها في عهده.
- ثم تحدث المؤلف عن الدكتور حمد المانع الذي تولى الوزارة خلال الفترة من 2003م إلى 2009م.. وبدأ عهده بتشغيل مشروع مدينة الملك فهد الطبية الذي كان معلقاً لسنوات.. وقام بإنشاء كلية طب تتبع وزارة الصحة.. وعمل على تطبيق فكرة الحزام الصحي وهو إيجاد مستشفيات تخصصية في مختلف أنحاء المملكة لتخفيف الضغط على المستشفيات الكبيرة وتخفيف عناء المرضى من السفر. كما اهتم بتفعيل تطبيق نظام الضمان الصحي التعاوني على المواطنين.
- أما الدكتور عبدالعزيز الخويطر الذي تولى الوزارة بين عامي 1394 و1395هـ. فيبدو أن الوقت لم يسعفه لتحقيق إنجازات لافتة وربما كان أيضاً مكلفاً بمهام أخرى.. حيث عين وزيراً للصحة في شهر صفر من عام 1394هـ وفي شوال 1395هـ عين وزيراً للمعارف وترك وزارة الصحة.
وأحسن الدكتور الخويطر حيث عمل على إكمال برامج بدأها سلفه الوزير جميل الحجيلان.
- ولم يكتف الدكتور الربيعة بتحليل منجزات ومنهجيات الوزراء الستة.. فقام أيضاً بدراسة عطاءات عدد من الأطباء السعوديين الرواد في المجال المهني الطبي الذين درسوا في بلدان متقدمة وطبقوا معارفهم في المستشفيات التي عملوا بها في المملكة.. وهم الدكتور فالح الفالح والدكتور محمد المفرح والدكتور محمد أبوملحة.
- ختاماً أوجه التحية للدكتور عثمان الربيعة على الجهد الكبير الذي بذله في تأليف هذا الكتاب الذي يعد إضافة نوعية للمكتبة السعودية خاصة في مجال يفتقر إلى مؤلفات تحليلية تاريخية حول مسيرة الخدمات الصحية في المملكة العربية السعودية.