د.علي القرني
الجدل الذي يدور حاليًا في أروقة التعليم بشقيه العام والجامعي، ستنعكس تداعياته مستقبلاً على العملية التعليمية، وعلى كافة شرائح المجتمع. وأعتبرها خطوة جريئة من وزارة التعليم مجرد فكرة التحول من نظام إلى نظام، فبعد أن مررنا بالنظام السنوي، انتقلنا إلى نظام الفصلين والآن إلى نظام الثلاثة فصول، والجميع يعمل حالياً على تطبيق هذا النظام بدءاً من العام بعد القادم. وأتمنى أن تكون جدارة النظام الجديد هو المستهدف الأساسي من التحول، وليس أهدافًا أخرى لحل مشاكل إدارية أو تعزيز ظرفية خاصة.
إن التحول من نظام الفصلين إلى نظام الثلاثة فصول هو عملية شاقة جداً وتستلزم جهوداً كبيرة على صعيد الجامعات والمدارس، وبما يقع تحتها وفوقها من إدارات ووحدات ومراكز. ولكن هذه الجهود رغم ضخامتها الا أنها تأتي مرة واحدة فقط، وبعدها تسير الأمور بشكل انسيابي. وهذا مبرر للأشخاص الذين يستصعبون عملية التحول.
ونظام الثلاثة فصول trimester هو نفسه النظام الربعي quarter لكن بتفاوت بسيط في عدد الأسابيع في الفصل الواحد، وقد يكون سبب التسمية من قبل الوزارة هو انطباق هذا النظام على التعليم العام أكثر من الجامعات، لحتمية عدم وجود فصل صيفي وهو الفصل الرابع الموجود في النظام الربعي، والذي سيوجد في الجامعات.
ومن هنا فإننا نتعامل هنا - على صعيد الجامعات - على نظام ربعي بالتمام والكمال، ويمكن لأي جامعة أن يكون لها فصل صيفي تفرضه ظروف الطلاب، وعجلة البحث والعمل داخل الجامعات.
وأود أن أكون في صف التغير الذي يحدث، بالتحول نحو نظام الثلاثة فصول أو النظام الربعي، رغم أن هذا النظام هو من الأنظمة البائدة في الجامعات الأمريكية، فكثير من تلك الجامعات بدأت تتخلى عنه، إلى أن وصل إلى نسبة تصل إلى أقل من 10 % فقط من الجامعات الأمريكية المتمسكة بالنظام الربعي حالياً، وستنخفض هذه النسبة إلى أقل من ذلك خلال السنوات القادمة، بينما نظام الفصلين هو المتسيد في الجامعة الأمريكية بنسبة تصل إلى أكثر من 90 %. وعلى الرغم من هذا التخلي الجماعي عن هذا النظام (الربعي أو الثلاثة فصول)، إلا أنني أراه جديرًا بالتبني لأنه يكتسب الحيوية والانتعاش المستمر في العملية التعليمية سواء للطالب أو الأستاذ أو حتى للأسرة والمجتمع، ولكن ما أخشاه هو التطبيق الخاطئ لهذا النظام، وهي بوادر بدأت في الأفق، ومن شأنها أن تهدم أسس النظام وجوهره وحيويته. وهنا أناقش هذه المخاوف:
1 - النظام الربعي يعطي فرصة أكثر للأقسام العلمية والكليات في عرض مقررات أكثر مما هو متاح حالياً، وهذا يتيح فرصاً للتنوع والامتداد العلمي في التخصص، وكذلك يتيح فرصة أكبر في التخصص الثنائي، أو التخصص الفرعي، ولهذا كانت خطط الأقسام العلمية في الجامعات الأمريكية تصل إلى 180 ساعة معتمدة في درجة البكالوريوس. ولكن بدأ تشويه هذا النظام من الخطوة الأولى، وهي - كما يظهر - اعتماد ما بين 120 و130 ساعة، ولا نعلم سبب هذه القفزة على قواعد هذا النظام، وهذا يعني فعلياً أن نفس عدد المقررات والساعات الحالية في الأقسام العلمية ستكون موجودة في النظام الجديد، ولن تتاح للأقسام فرصة عرض واستحداث مقررات جديدة والتوسع في التخصص. ومن يقول إنها فرصة للأقسام لإعادة النظر في خططها الدراسية، فنقول إن هذا متاح سابقاً في النظام كل خمس سنوات، أو التعديل على الخطط في فترة أقل من ذلك، ولا يمكن أن يكون هذا حجة لتبرير التحول للنظام الجديد. واذا نظرنا إلى جامعة ستانفورد - وهي إحدى الجامعات الشهيرة في الولايات المتحدة، (ومعالي وزير التعليم هو أحد خريجيها) وهي تطبق نظام quarter - فإنها تفرض على طلابها التخرج بما لا يقل عن 180 ساعة للبكالوريوس. وفي المقابل جامعة هارفارد وهي تطبق نظام الفصلين تتطلب انهاء 128 ساعة معتمدة على مستوى البكالوريوس. فأحد الاختلافات النوعية بين النظامين هو عدد الساعات المعتمدة، وهذا يحدث الفارق بين النظامين، وتساوي عدد الساعات يعني أن التحول شكلي فقط؟
2 - عدد الساعات المتاحة للطالب في نظامنا الجديد انخفضت من 18 أو 17 ساعة إلى 10 أو 11 ساعة، رغم أن الإطار الوطني للمؤهلات (2020) يعطي للطالب معدل 15 ساعة فما فوق في كل فصل دراسي. وفي التطبيق الجديد للنظام ستعمل الأقسام على وضع 12 مستوى، بواقع 11 ساعة لكل مستوى بمجموع أقصى يصل إلى 132 ساعة معتمدة للتخرج (ويمكن حسب التطبيق كذلك ان تنخفض إلى 120 ساعة معتمدة وبواقع عشر ساعات فصلية للطالب). انظروا للمثال التالي: الطالب في الفصلين الدراسيين من سبتمبر إلى مايو لديه مقررات تزامنية تصل إلى 15 ساعة وأكثر، يعني أنه خلال هذه الفترة كلها لديه هذا الكم من الساعات ويحمل كل أسبوع هذا العدد من الساعات. واذا نظرنا إلى نظام الثلاثة فصول، فهي أيضا من سبتمبر إلى مايو تقريبا، نفس فترة الفصلين، فلماذا إذن لا يحمل الطالب نفس عدد الساعات، لأن النتيجة هي نفس النتيجة، وهذا المثال يعكس أن الطالب قادر على حمل 15 ساعة على الأقل في دراسته الجامعية، سواء كانت على نظام الفصلين أو الثلاثة فصول، وربما هذا يولد لديه التنافس على التخرج في وقت قياسي إذا تجاوز الخمس عشرة ساعة، واتيحت له الفرصة ان يأخذ فصولا صيفية، وليس كما هو معمول به حالياً: الفصل الصيفي للخريجين فقط.
3 - بالتطبيق الجديد، يبدو أن الهدف هو التغيير نحو نظام جديد بهدف تقليص ساعات الطالب الفصلية، (لا ندري من أين جاءت هذه الفكرة من الوزارة أو الجامعات) بحيث يأخذ الطالب من ثلاثة إلى أربعة مقررات كل فصل دراسي. والمعادلة المتبعة - كما ظهر لنا - هي جمع عدد الساعات التي كان يأخذها الطالب في نظام الفصلين وهي في حدود ثلاثين ساعة، وتقسيمها على ثلاثة فصول. وكأن التحول إلى النظام الجديد يتطلب فقط تقليص عدد ساعات الطالب، لأن مثل هذا التطبيق غير الملائم يبعد النظام عن جوهره وأهدافه الأصيلة.
4 - يتميز نظام الثلاثة فصول في التطبيق المثالي بأنه يتيح للطالب مقررات أكثر ويغطي نطاقات متنوعة في التخصص، وهذا لن يتحقق إذا كان سقف الساعات يصل إلى 130 ساعة فقط، فستضطر الأقسام إلى إعادة نفس المقررات في الخطط القديمة أو إعطائها مسميات جديدة فقط. وعرض مقررات أكثر للطالب يعني زيادة تعرفه في مجال تخصصه.
نحن ندعم التحول إلى نظام الثلاثة فصول، ولكن ليس بالتطبيق الذي تسير عليه الجامعات حالياً، وأتمنى فعلاً أن يعاد النظر في التطبيق حتى لا نتمسك بقشور النظام ونترك جوهره ومزاياه، وحتى لا يكون النظام كبش فداء لحل مشكلات إدارية. وغالباً، نحن نستدعي أنظمة جيدة، ولكن لا نطبقها بالشكل المطلوب، فمثلاً نظام الساعات عندما تم تطبيقه في الجامعات السعودية، حرم الطالب من المقررات الاختيارية، وكذلك من الساعات الحرة، وهما أساس النظام ومحوره، وإن وضعت فهي بشكل تعسفي لا يفي بهدف النظام. ويمكن ان يتم تصويب الأخطاء في تطبيق النظام الجديد من خلال رفع سقف عدد الساعات المعتمدة في الأقسام إلى حوالي 180 ساعة، وإتاحة التسجيل للطالب في ساعات أكثر، تصل إلى 15 ساعة، عدا ذلك فنحن مثل المزارع الذي لديه 120 حبة طماطم، وكان يوزعها على 8 سطول، ثم طرأ على باله ان يوزعها على 12 سطلاً كنوع من التجديد، ولم تتأثر لديه كمية الإنتاج.
وعلمي الأكيد ان هناك جهودا مخلصة عملت وتعمل على اقتراح النظام وتطبيقه، ولكن أتمنى فعلا أن يتم إعادة النظر في آليات التطبيق. وهدفنا جميعا هو اصلاح وتطوير التعليم السعودي في ضوء رؤية المملكة 2030، وهذا ما نتمنى أن يحققه النظام الجديد بتطبيقاته الأصيلة.
والله الموفق
** **
- عضو مجلس الشورى