رمضان جريدي العنزي
الأيام تركض، والحياة تركض، والناس فيها يركضون، يلهثون فيها بلا كلل حتى تأكلهم الدنيا بمنشارها الذي لا يتوقف، يموتون ويدفن بعضهم بعضاً في حفرة ضيقة ضئيلة، يرحلون عن القصور والمخادع والأريكة والفخامة والأبهة والحديقة والنافورة، ويتركون وراءهم المال والعقارات والمركبات والزوجات والبنون، لكن العاقل من يتوقف مع نفسه، يتأمل حاله ويتفكر، قبل أن تأتيه النومة الطويلة الذي لا يدري بعدها كيف يكون أمره ومآله ومصيره، وعليه أن يعرف بأن الدنيا دار ممر لا دار مقر، ومنزل عبور لا منزل حبور، وموطن غرور، لا مهد سرور، تتزين بكل زينة، وتتلون بكل لون، وتتطيب بكل ريحة، البقاء الدائم فيها غير ممكن، والتحول فيها متوقع، وهي ذاهبة، والناس فيها ذاهبون، لا قرار فيها ولا استقرار ولا استمرار، وما هي إلا كالثلج تحت الشمس يذوب رويداً حتى يزول، هكذا هي الدنيا سريعة الذهاب، قريبة الغياب، لا راحة فيها ولا اطمئنان، هموم وأكدار، آلام وأسقام، تقبل وتدبر، عرضها زائل، وظلها مائل، وزادها قليل، والناس فيها على جناح سفر، والعاقل من يدرك بأن الدنيا مزرعة الآخرة، وما زرع فيها سوف يحصد، ويكون الثمر البهي الجميل حسب الفعل والعمل، أن الأعمال الصالحة النبيلة دقها أو جلها هي الباقية، وهي كالدروب النيرة، وكالمنارات الكاشفة، وعواقبها على صاحبها مفرحة ومبهجة وسارة في الدنيا والآخرة، إن على الإنسان الحصيف أن يتزود بها، ويسابق عليها ويسارع إليها، لكي تطول صحيفة حسناته، ويهون عليه مشاهد وأحداث اليوم العصيب، إن الإنسان الحاذق الذكي الحكيم هو من يزرع قيم الخير ومبادئ العطاء، ويهرع نحو المبادرات الخيرية، ويجعل سجله عامراً بألوان النفع والعطاء، إن الإنفاق في مضامير الخير والبر والإحسان يصبح ورثاً نفعه عظيم على صاحبه، إن النجاح الحقيقي في الحياة، ليس في الرصيد المالي الضخم، وإنما في الإنجازات النافعة للبشر، يقول الشاعر:
قدّْم لِنَفْسِكَ قَبْلَ مَوْتِكَ صالحاً
واعمَلْ فليس إلى الخلود سبيلُ
إن الأموال لن تبقى مع صاحبها للأبد، فليحرص الإنسان أن تسبقه حين الرحيل عبر ترجمتها إلى أعمال خير ومنفعة، لكي تثقل ميزان الحسنات، وتفتح أبواب الرحمة والصفح والغفران.