د.صالح العبدالواحد
الدراسات الحديثة من خبراء الأمراض المعدية تؤكد أن لقاحات كورونا بتقنية mRNA تمنحنا حماية أفضل بكثير من الإصابة الطبيعية بالفيروس، حيث يمنح اللقاح الحديث وقاية لمدة أطول وأشمل ضد تحورات الفيروس، فعلى الرغم من أن الأمراض الفيروسية تمنح الجسم مناعة طويلة ضد تكرار الإصابة بنفس الفيروس المسبب للمرض في الكثير من الحالات، إلا أن وجود بعض الفيروسات التي تستطيع التحور تسبب إصابة الشخص بنفس المرض عدة مرات، ومن ثم إيصال العدوى لشخص آخر.
تفاوت الأعراض غير موجود في حالة اللقاح، حيث يتم إعطاء جرعة مدروسة بشكل بحثي مسبق، ويتم الحصول على استجابة مناعية معروفة ومتوقعة في كل مرة.
يعتبر هذا بالطبع أحد الأسباب العديدة للحصول على جرعة اللقاح، والتي تم ويتم اختبارها بشكل صارم ومتواصل للتأكد من سلامتها.
أما أعراض الإصابة بفيروس كورونا فإنها تتراوح بين وهن بسيط إلى حالة خطيرة من ارتشاح الرئة التي لا يمكن عندها التنفس إلا بواسطة جهاز في العناية المركزة، ولذلك فإن قيام بعض الأشخاص بانتظار الإصابة به لاكتساب المناعة التي قد لا تحدث، والاعتماد على أن الأعراض خفيفة، لا يعتبر خيارًا منطقيًا حيث إن المناعة غير مؤكدة، وكذلك لا يمكن التنبؤ بما سيؤول إليه المرض.
إن سرعة العدوى الحالية بالفيروس تعني أن جميع البشر قد تتم إصابتهم به خلال الأعوام القادمة. والشيء المؤكد الآن هو أن اللقاح يمنع المصاب -بإذن الله- من دخول العناية المركزة بنسبة كبيرة جدًا.
تكون المناعة التي تنتج عن الإصابة بعدوى الفيروس قاصرة على التعرف على هوية الفيروس من شكله الخارجي، ولأن الفيروس يستطيع التنكر عن طريق إخفاء بعض مكونات النتوءات الخارجية فإنه يقوم بخداع الجهاز المناعي ليصيب الجسم بالمرض مرة أخرى. أما اللقاح المصرح به سواء فايزر أو موديرنا فإنه يعطي أوامر لخلايا العضلة التي يتم حقنها لتقوم بدورها بصنع البروتين الشائك الذي يحتوي على كود الفيروس الممرض بغض النظر عن شكل الفيروس الخارجي. لا يستطيع هذا الجزء من تطوير أعراض المرض نهائيًا، ولكنه يحفز الجهاز المناعي للجسم للقيام ببناء جيش من الأضداد التي تستطيع محاربة الفيروس الممرض فور دخوله إلى الجسم، حيث يتعرف الجهاز المناعي على الفيروس من خلال قراءة الباركود (الشفرة المسببة للمرض) التي توجد في النتوءات الشوكية، ولا ينظر إلى شكل الفيروس الخارجي، ولهذا لن يستطيع الفيروس التنكر، حيث إن المناعة موجهة لمكوناته الجينية الممرضة. لهذا السبب يستطيع اللقاح مقاومة العديد من الفيروسات المتحورة المعروفة الآن وهذا يعتبر قفزة هائلة في علم صناعة اللقاحات.
في دراسة طبية حديثة تم فحص آلاف عينات الدم من أشخاص مصابين بالفيروس التاجي بشكل طبيعي، مقابل أولئك الذين تلقوا جرعتين من اللقاح الذي يعمل بآلية mRNA. وجد الباحثون أجساماً مضادة لدى الأشخاص الذين تناولوا اللقاح، أكثر بعشر مرات من الأشخاص الذين تعافوا من المرض. هذا ببساطة يعني أن اللقاح يمنح الجهاز المناعي استجابة «أقوى بعشر مرات» من مناعة الإصابة بالمرض بشكل طبيعي.
رغم كل ذلك، هناك فئة في المجتمع تُعارض تناول اللقاح لعدة أسباب. هذه الأسباب تمتد ضمن طيف واسع من القناعات، فهناك من يعتقد أن الشباب لا يحتاجون إليه لقدرة جهازهم المناعي على مقاومة المرض. ورغم أن الشفاء هو القاعدة العامة، حيث قد لا يعرف بعض المصابين عن إصابتهم إلا عند إجراء الفحص الخاص بذلك، إلا أن الشخص المصاب قد يكون وسيلة نقل الفيروس إلى أحد أقرب الناس إليه، ومن ثم خلق دائرة جديدة لانتشار المرض.
سيكون الأشخاص الذين يعانون من أمراض تسبب ضعف الجهاز المناعي مثل المرضى الذين خضعوا لعملية زرع كلية أو الذين يتناولون أدوية معينة تثبط جهاز المناعة لديهم، سيكونون في وضع أكثر خطورة عند الإصابة بعدوى كورونا المستجد.
وحيث لا يمكنك سؤال أي شخص تقابله عن الأدوية التي يتناولها أو عن تاريخه المرضي، فإن تناول اللقاح يعتبر الحل الوقائي الأمثل للجميع.
تشير الإحصاءات إلى أن المرض أخطر على الفئة العمرية 65 سنة فما فوق، إلا أن ذلك لا يعني أن الشفاء أمر مسلم به دائمًا لفئة الشباب. فهناك العديد من الحالات انتهت بالوفاة لفئة عمرية أصغر. وعلى الرغم من أن أنظمتنا المناعية مثيرة للإعجاب في تحديد الأمراض وبناء الحماية، لكن الفيروس قد يستطيع خداع هذا الجهاز، والوصول إلى الأعضاء الحيوية المهمة مثل الرئتين بغض النظر عن عمر الشخص المصاب.
وهناك فئة أخرى تعترض على أخذ اللقاح بسبب عدم معرفة الآثار الجانبية طويلة المدى لهذه اللقاحات، وأن اللقاح قد ظهر بسرعة تثير الشكوك.
ورغم أن الاعتقاد الغالب لدى المجتمع أن هذا اللقاح جديد ولم تتم دراسة أثاره بعد، إلا أن هذا اللقاح هو نتيجة عقدين من الأبحاث والتطوير، حيث لا يتم التصريح لأي من اللقاحات المستعملة في الولايات المتحدة الأمريكية إلا بعد أن يأذن به الأطباء واللجان المستقلة التي تفحص تلك اللقاحات بشكل متكامل، ليصبح جاهزًا للاستعمال بشكل تلقائي في الدول كافة. وبالطبع لا يوجد إلى هذا اليوم أي تأثير جانبي لتناول اللقاح يمكن أن يكون أخطر من العواقب الصحية المعروفة جيدًا ولا خلاف عليها، بعد الإصابة بفيروس كورونا، والتي ما زلنا نتعلم الكثير عنها.
وجود بعض التقارير عن الإصابة بالوباء بعد تناول اللقاح لا يقلل نهائيًا من فعالية اللقاح. بل لا يتم الالتفات إلى هذه النسبة بشكل علمي أبدًا حيث إنها أقل من 0.000001 بالمائة ممن تم تطعيمهم. ولا يمكن بالطبع الحصول على فعالية بنسبة 100 % لأي دواء أو طريقة علاج طبية بأي حال من الأحوال، ولكن التردد في تناول جرعة اللقاح قد يؤدي إلى تأخير الوصول لمرحلة مناعة المجتمع، مما يعني أن المرض قد يستمر في التفشي لسنوات طوال.
يتضح من هذا الشرح أن ما نعرفه اليوم هو أن الإصابة بالمرض تشكل خطرًا أكبر على صحة الإنسان من الآثار الجانبية لتناول اللقاح. وكذلك نعرف أن فيروس COVID-19، يعتبر طفرة جديدة من نفس فصيلة الفيروسات التاجية التي تهاجم البشرية في العقدين الماضيين، لذلك من المحتمل أن الأشخاص الذين لن يتناولوا اللقاح الآن سيكونون عرضة للإصابة بنفس الفيروس أو الإصدار المتحور الجديد إن آجلًا أو عاجلًا -لا قدر الله-، مشكلين حقل تجارب جديداً للأمراض الفيروسية.
إن الهروب من لقاح الفيروس الآن، يعني أن الشخص سيكون فريسة سهلة للفيروس القادم. لنتذكر دائمًا أن الفيروس قد ينتشر عن طريق الأشخاص الذين يختلطون بشكل فاعل في المجتمع، بعد إصابتهم دون أن تظهر عليهم أي أعراض، ولم يخضعوا لأي فحص، وبذلك لم يتم تسجيلهم في السجلات الإلكترونية، (توكلنا).