عبدالرحيم أبوالمكارم حماد
يشكل نهر النيل ثروة مائية طبيعية بالنسبة للدول التي يمرّ بها، فهو نقطة الجذب الرئيسية لقيام الحضارات في منطقة حوض النيل، وهو أساس التطور الاقتصادي والزراعي والسياحي فيها، خصوصا أنّه أطول أنهار العالم.
وما تزال أزمة بناء إثيوبيا لسد النهضة الكبير بولاية بن شينقول بالقرب من الحدود مع السودان من أهم روافد القلق لمصر والسودان كدول مصب في الوقت الذي تعاني فيه الدولتان من مشاكل أخرى سياسية وأمنية واقتصادية متزايدة، فعلى سبيل المثال، يعد نهر النيل الشريان الرئيسي للحياة على امتداد البلاد في مصر، حيث يحيا على المياه فيها الملايين من البشر والحيوان والنبات.
وقد تفاقمت التوترات القائمة بين دول حوض النيل بسبب مشروع إثيوبيا لتشييد سد النهضة على النيل الأزرق. وبينما تخشى مصر والسودان تناقصًا ملحوظًا سيحدث لحصتهم من ماء النهر، من المؤكد أنه عند الانتهاء من سد النهضة العملاق على النيل الأزرق ستصبح لإثيوبيا اليد العليا في قرار تدفق المياه، إذ إن النظام الإثيوبي قد رهن هيبته وسلطته بهذا السد، وحرك جميع موارده الداخلية وكثف في علاقاته الدولية مدعومًا من قوى خارجية، وفرض المشاركة الإجبارية على السكان. ولا يبدو أن هناك ما يستطيع إيقافه إذ إن المشروع الإثيوبي «هو مشروع سياسي قبل كل شيء. يسعى إلى تعزيز اللحمة الوطنية في بلد تحتكر السلطة فيه في شخص رئيس الوزراء آب أحمد.
وعقب فشل كل المفاوضات حول أزمة سد النهضة، وغموض السيناريوهات المرتقبة، فلا بد من التذكير بأن مصر والسودان وإثيوبيا خاضت عشرات الجولات التفاوضية، خلال السنوات العشر الماضية، دون التوصل إلى اتفاق نهائي، وسط مخاوف لدى مصر والسودان من خفض حصصهما المائية، وقرب الميعاد الزمني المحدد الذي أعلنته إثيوبيا، بأنها تنوي إجراء الملء الثاني للسد في موعده المقرر في يوليو/تموز المقبل، مشددة على «عدم تمديد فترة الملء الثاني بأي حال من الأحوال».
واعتبر المتحدث باسم الخارجية المصرية أحمد حافظ، أن «تصريحات رئيس الوزراء الإثيوبي ما هي إلا استمرار للنهج الإثيوبي المؤسف الذي يضرب عرض الحائط بقواعد القانون الدولي واجبة التطبيق والتي تنظم الانتفاع من الأنهار الدولية والتي تفرض على إثيوبيا احترام حقوق الدول الأخرى المشاطئة لهذه الأنهار وعدم الإضرار بمصالحها».
وقال أحمد حافظ، في بيان له إن «مصر ترفض ما جاء في تصريحات رئيس الوزراء الإثيوبي... حول نية إثيوبيا بناء عدد من السدود في مناطق مختلفة من البلاد، مؤكدًا أن هذا التصريح يكشف مجددًا عن سوء نية إثيوبيا وتعاملها مع نهر النيل وغيره من الأنهار الدولية التي تتشاركها مع دول الجوار وكأنها أنهار داخلية تخضع لسيادتها ومُسَخرة لخدمة مصالحها».
وتخشى مصر أن يضر السد بإمداداتها وحصتها من مياه نهر النيل، فيما يشعر السودان بالقلق والتوتر إزاء سلامة السد وتدفق المياه عبر السدود ومحطات المياه لديه.
يذكر أن أزمة سد النهضة زادت في التصاعد في ظل إصرار إثيوبيا على الملء الثاني للسد، في يوليو/ تموز المقبل، حتى لو لم تتوصل إلى اتفاق، وشددت إثيوبيا من لهجتها على أنه لا يمكنها أن تدخل في اتفاق من شأنه أن يحرمها من حقوقها المشروعة الحالية والمستقبلية في استخدام نهر النيل، فيما تتمسك دول المصب كل من مصر والسودان بالتوصل إلى اتفاق يحافظ على حقوقهم المائية ويضمن استمرار تدفق حصتهما السنوية من مياه نهر النيل، البالغة 55.5 مليار متر مكعب، و18.5 مليار متر مكعب بالترتيب. إذ إن حقوق دول المصب (مصر، السودان) المائية تحميها قواعد القانون الدولي، قبل القانون الدولي الحديث التي أكدت حقوقًا تاريخية ومكتسبة لهم، وهذه الحقوق يعترف بها القانون الدولي بخلاف الحبشة وحدها.
فيما دعت وزيرة الخارجية السودانية مريم الصادق المهدي، خلال لقائها الرئيس الغاني نانا أكوفو أدو، في العاصمة أكرا، إلى دعم موقف بلادها في حل الأزمة بشأن سد النهضة، مؤكدة ضرورة إيجاد حل سلمي للنزاع حول السد والحدود مع إثيوبيا.
وبالتزامن مع تطورات أزمة سد النهضة، نشر المتحدث باسم الجيش المصري، مساء السبت 22 مايو 2021 صوراً وثقت وصول الجنود المصريين إلى السودان؛ للمشاركة في التدريب العسكري المشترك «حماة النيل».
وأضاف أن التمرين يهدف إلى تأكيد مستوى الجاهزية والاستعداد للقوات المشتركة، وزيادة الخبرات التدريبية للقوات المسلحة لكلا البلدين. وأفاد بأن تمرين «حماة النيل» يأتي استمراراً لسلسلة التدريبات السابقة «نسور النيل 1»، و»نسور النيل 2».
وكان الجيش السوداني قد أعلن وصول مجموعة من الجنود المصريين إلى أراضيه، ضمن الاستعداد لانطلاق مناورات «حماة النيل»، التي استمر فعاليتها من 26 حتى 31 مايو/ أيار الماضي.
من جانبها أكدت إثيوبيا أن «الموقف الرسمي لإثيوبيا ما زال في مكانه، سنقوم بعملية الملء الثاني في موعدها، ومتمسكون بقيادة الاتحاد الأفريقي لمفاوضات سد النهضة».
وأكدت أيضاً أنها «تتابع التطورات في السودان والتدريبات العسكرية مع مصر».
وأضافت «من حق الدولتين (مصر والسودان) إجراء تدريبات عسكرية، ولدينا قوات مسلحة قوية وقادرة على حفظ أمن وسيادة إثيوبيا، وردع أي عدوان خارجي».
عقب ثورة يناير استغلت إثيوبيا هذه الظروف، وأطلقت مشروعها لتشييد سد النهضة على النيل الأزرق ليكون أضخم سد في أفريقيا بعد أن كان ذلك الموقع محجوزًا للسد العالي في أسوان، الذي بنته مصر عام 1960 بمساعدة سوفييتية وأصبح واجهة النظام الناصري.
يبلغ ارتفاع سد النهضة، الذي سيسمح بإنتاج 6450 ميغاواط من الكهرباء، 175 مترًا، ويبلغ طوله 1800 متر، وسعة تخزينه 67 مليار متر مكعب، أي ما يعادل تقريبًا التدفق السنوي للنهر. اتخذت إثيوبيا قرار بناء السد من طرف واحد، وبدأته شركة إيطالية في 2013، وقد تم إنجاز معظمه وفق تصريحات أديس أبابا.
مصر والسودان تتمسكان بتوقيع أديس أبابا على اتفاق قانوني ملزم لها، يتطرق إلى ظروف ملء السد وضوابط تشغيله باتفاق كل الأطراف، ولكن إثيوبيا ترفض المصادقة على الاتفاق السابق حول عملية التشغيل وملء السد فبدأت مصر والسودان تحركًا دبلوماسيًا مع مطلع شهر مارس شمل عددًا من القوى الدولية والدول الإفريقية منها جنوب السودان، جنوب إفريقيا، تنزانيا، رواندا، النيجر والكونغو الديمقراطية وغيرهم من دول عربية، وهدفت هذه الجولة إلى شرح موقف مصر والسودان من أزمة سد النهضة ومن الجمود الحاصل في المفاوضات مع إثيوبيا وإصرارها على الملء الثاني للسد بقرارات أحادية، ضارباً بالاتفاقيات ومبادئ القانون الدولي عرض الحائط.
يذكر أن وزير الخارجية المصري سامح شكري قام هو الآخر بزيارات لعدد من الدول العربية والأوروبية من أجل دعم بلاده في جهودها لدفع إثيوبيا للتوقيع على اتفاق حول ملء وتشغيل سد النهضة حفاظًا على الأمن والاستقرار بمنطقة القارة الإفريقية، في وقت كرر فيه الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي تحذيراته من المساس بحقوق مصر في مياه النيل، قائلاً إنها «خط أحمر»، وأن التعدي عليها قد يدخل المنطقة في حالة من عدم الاستقرار، عقب إعلان إثيوبيا أنها ستمضي قدمًا في عملية الملء الثانية لبحيرة سد النهضة، رغم اعتراض دولتَي المصب مصر والسودان، وبعد أن أجرت أديس أبابا عملية الملء الأول في 15 يوليو 2020م.
ويعتبر السد الإثيوبي، البالغة تكلفته أكثر من 4 مليارات دولار، أكبر مشروع لتوليد الطاقة الكهرومائية في إفريقيا، وتعمل إثيوبيا منذ بداية المفاوضات على استثمار عامل الوقت، ففي الوقت الذي تسير فيه المفاوضات ببطء وتثاقل تسارع في بناء السد ليتبقى على اكتمال البناء أقل من عدة أيام ويكون للأمر الواقع وقتها أثر على الخطط المطروحة.
ويبقى السؤال: أين وكيف سيجد النزاع المستمر بين مصر وإثيوبيا حول سد النهضة طريقه نحو الحل؟ هل من خلال التدخل الأمريكي، الوساطة الإفريقية أم آخر الخيارات المتاحة والمتمثلة في الخيار العسكري؟ كلها سيناريوهات محتملة للرد المصري على إثيوبيا ولكن أيهما الأقرب؟ هذا ما ستكشف عنه الأيام.
إن فشلت السياسة هل فكرة الحرب واردة؟
إن النزاع المقبل في الشرق الأوسط سيكون حول المياه، ولا شك أن دبيب الأحذية العسكرية يسمع في الأفق، لاسيما أن الدول الأطراف في أزمة سد النهضة (مصر والسودان وإثيوبيا) لم تنجح في الوصول إلى اتفاق حول ملء السد وتشغيله، طيلة 10 سنوات من المفاوضات.
وحول إمكانية الحل العسكري لحل أزمة السد ازدادت توقعاته تزامنًا مع اقتراب الملء الثاني لخزان سد النهضة، الذي لا تتوانى إثيوبيا في تأكيد موعده هذا الموسم، وتصاعد حدة التصريحات بين إثيوبيا من جهة ودولتي مصب نهر النيل مصر والسودان من جهة أخرى.
كل المؤشرات، بحسب مراقبين، تقود إلى تصادم حتمي مع إثيوبيا، في حال استمر التباعد بين مواقف الدول الثلاث، باعتبار أن الخيارات الدبلوماسية ولغة التفاوض لم تثمر شيئًا، وزادت التوقعات على خلفية تصريح رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد بأن إثيوبيا ستقوم بناء أكثر من 100 سد في مناطق مختلفة خلال الفترة المقبلة.
وأشار إلى أن بناء السدود في إثيوبيا سيكون له دور في مضاعفة الإنتاج الزراعي ثلاث مرات في السنة، ما يحقق الأمن الغذائي للبلاد. وبدورها كانت وزارة الخارجية المصرية قد أعربت عن رفضها لتصريحات أبي أحمد، مؤكدةً أنها تكشف سوء نية إثيوبيا في التعامل مع الأنهار الدولية المشتركة خاصة في ظل تأكيد إثيوبيا المستمر المضي في الملء الثاني للسد، بوصفه حقًّا مشروعًا، رافضة مبادرة التفاوض بوساطة رباعية تضم الاتحادين الأوروبي والإفريقي والأمم المتحدة والولايات المتحدة، التي طرحتها الخرطوم منذ أشهر، وأيدتها مصر.
وبمقارنة قدرات مصر العسكرية بإثيوبيا يظهر بوضوح تفوّق الجيش المصري حيث قوامه ثلاثة أضعاف الجيش الإثيوبي تقريباً، وفي حين يتخطى عدد الطائرات المصرية المقاتلة الحديثة والتدريب والنقل العسكري الآلاف تجعل من مهمة إصابة السد ليست بالصعوبة التي يتخيلها البعض؛ إذ إن مصر حصلت في الآونة الأخيرة على أحدث تكنولوجيا صواريخ باليستية وأحدث الطائرات وأحدث التقنيات الحديثة والأسلحة والمعدات.
كما أجرت مصر والسودان مؤخرًا ثلاثة تدريبات عسكرية مشتركة حملت أسماء: «نسور النيل 1» و»نسور النيل 2»، وآخرها مستمر حتى نهاية مايو/ آيار باسم «حماة النيل».
وشاركت في تدريبات «حماة النيل» قوات برية وجوية وبحرية من القوات المسلحة للبلدين. وتقول مصر إن «التدريب يأتي لتطوير العمل المشترك بين القوات المسلحة في مصر والسودان».
إذ إن الفرق بين التدريبات المصرية السودانية المشتركة «حماة النيل» وما سبقها «نسور النيل 1» و»نسور النيل 2» هو أن القوات اقتربت جغرافيا أكثر من الحدود السودانية - الإثيوبية.
ولكن يبقى العنصر الزمني ضاغطاً خطيراً في أزمة سد النهضة، بعد تأكيد إثيوبيا مراراً أنها تنوي إجراء الملء الثاني للسد في موعده المقرر في يوليو/ تموز المقبل وأنها تنوي بناء سدود أخرى في مناطق مختلفة.