د. عبدالحق عزوزي
أكد تنظيم «الدولة الإسلامية» في تسجيل صوتي مسرَّب الأحد مقتل زعيم جماعة بوكو حرام أبو بكر شكوي بقتل نفسه، خلال مواجهة مع مسلحين من فرع التنظيم الجهادي المتطرف في غرب أفريقيا، وذلك عقب أسبوعين من ورود أنباء عن وفاته. وأفاد متحدث باللغة الكانورية يشبه صوته صوت زعيم التنظيم في غرب أفريقيا أبو مصعب البرناوي في التسجيل «فضل شكوي أن يهان في الآخرة على أن يهان في الأرض. لقد قتل نفسه على الفور بتفجير عبوة ناسفة». وحصلت وكالة الأنباء الفرنسية على التسجيل من المصدر نفسه الذي أرسل تسجيلات سابقة للتنظيم. في المقابل، وحسب قناة فرانس 24، لم تعلق بوكو حرام رسمياً بعد على مقتل زعيمها الذي شنَّ تمرداً منذ أكثر من عقد في شمال شرق نيجيريا، فيما أعلن الجيش النيجيري فتح تحقيق في هذا الادعاء.
يأتي هذا المستجد موازاة مع قرار فرنسا «تعليق العمليات العسكرية المشتركة مع القوات المالية»، حسب بيان لوزارة الجيوش. ومن خلال هذا القرار، تبدي باريس شجبها للانقلاب على الأرض؛ وقد شددت الوزارة في بيان تلقته وكالة الأنباء الفرنسية على أن «المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا والاتحاد الأفريقي حددا شروطاً وخطوطاً حمراء لتوضيح إطار عملية الانتقال السياسي في مالي» و»بانتظار هذه الضمانات قررت فرنسا (..) تعليق العمليات العسكرية المشتركة مع القوات المالية مؤقتاً فضلاً عن المهمات الاستشارية المقدمة لها».
ولكن رغم الإجراء الأخير الذي قامت به فرنسا، وأنا على يقين أنه ستتراجع عنه طال الزمن أم قصر، فإن الإستراتيجيين يلاحظون أن المجتمع الدولي لا يمارس ما يلزم من الضغوط والإجراءات والتدابير والعقوبات على المجلس العسكري في مالي لإعادة السلطة إلى المدنيين. ويفسر هؤلاء هذا الموقف غير الصارم تجاه باماكو بالشراكة التي تجمع الطرفين في مواجهة الجهاديين بالمنطقة، باعتبار أن البلدة ينظر إليها كمعادلة أساسية لا يمكن تجاوزها في التصدي للإرهاب بالساحل الأفريقي.
كما يظهر لي أن شركاء مالي لا يرغبون في أن يتعرض السكان لمزيد من الأزمات الاقتصادية والمالية وأن يشكل ذلك في نهاية المطاف نعمة سهلة للإرهابيين المتوغلين هناك. ولنا في «السابقة التشادية» أفضل مثال على ذلك. فبعد مقتل الرئيس إدريس ديبي إيتنو في نيسان/أبريل أقر الاتحاد الأفريقي وفرنسا باسم الأمن الإقليمي، بإقامة المجلس العسكري في نجامينا بقيادة نجل الرئيس الراحل؛ فلا عقوبات ولا ردود فعل سلبية كبيرة من المنتظم الدولي أو من الراعية الفرنسية ضد المجلس العسكري.
فالعامل المحدد لكل ردات الفعل الدولية في المنطقة تكمن في «التخوف» وهذا التخوف هو في تزايد مستمر، ولا سيما أن الإرهابيين متواجدون بكثرة ويترصدون كل مواطن الضعف في تلكم البلدان ليأتوا على الأخضر واليابس.
ثم إن فرنسا قد قامت بهاته التصاريح سالفة الذكر، لعاملين أساسيين: فهي أولاً تريد أن تبين لدول المنطقة وللمنظومة الدولية، أنّها لا تستطيع مكافحة الجهاديين بمفردها في منطقة الساحل حيث ينتشر 4500 عسكري فرنسي في إطار قوة برخان، ولتطالب قادة دول مجموعة الساحل الخمس (مالي والنيجر وبوركينا فاسو وتشاد وموريتانيا) بـ»التزام سياسي واضح». ثم إنه ثانياً بدأت فرنسا تشعر بخطورة الرياح المناهضة لها في المنطقة بعد ست سنوات من التواجد المتواصل للقوات العسكرية وسقوط 41 قتيلاً من الجانب الفرنسي... فلا تزال هناك أعمال عنف جهادية في شمال مالي وقد وصلت إلى وسط البلاد وكذلك إلى والنيجر وبوركينا فاسو المجاورتين؛ فمثلاً منذ أيام قتل أزيد من مائة وخمسين شخصاً في هجوم هو الأكثر دموية تشهده بوركينا فاسو منذ بدء أعمال العنف الجهادية في 2015، شنه مسلحون على موقع «للقوات الرديفة» ومنازل في المنطقة.... فالمؤسسات الأمنية هنا وهناك غير قادرة على حماية حدودها بتمكن، ولا على محاربة تغلغل الحركات الإرهابية العابرة للبلدان والقارات. فالاتجاهات المحافظة المتزمتة بدأت تطرق أبواب تلك الدول بطريقة مثيرة، إلى أن وصلتها الجماعات والحركات الإرهابية القادمة من الصومال والنيجر، وهي اتجاهات لم تعهدها دول في السابق كالنيجر حيث يمثل فيه المسلمون 60 في المائة وهم مالكيون سنيون، وبوركينا فاسو، والمسلمون فيه مالكيون. وأضحت تلكم البلدان فريسة للتنظيمات الإرهابية التي بدأت تنظر إليها كمنطقة صالحة للاستيطان واستقطاب البشر.