د. ابراهيم بن عبدالرحمن التركي
** والعنوانُ شطر بيت للحائليِّ النابهِ الذي رحل مبكرًا (جار الله الجبَّاري):
ألا أيُّها الساري إلى أرض حائلٍ
تمهلْ؛ فخيرُ السيرِ سيرٌ على مهلْ
** توقعَ له معلموه في المعهد العلمي حضورًا بارزًا في الساحة الثقافية والعلمية، وتردد اسمُه كثيرًا على لسان الوالد رحمه الله، مشيدًا بذكائه وتميزه وسرعة بديهته، وفي نهاية التسعينيات الميلادية فوجئَ صاحبُكم بحضوره إلى مقر «الجزيرة»، وكان يحمل للوالد ودًا كبيرًا سطره في رسالةٍ شخصيةٍ بخطِّه نُشرتْ صورةٌ منها في كتابيْ صاحب الإمضاء: «سيرة كرسي ثقافي» و «الألفية لا الأبجدية».
** رحل جار الله 1950-2003م بصمتٍ وعزلة - كما وصف موتَه الحائليُّ المضيءُ «جار الله الحميد» - فله الدعاء، وبقيت حائل في ذاكرة صبيٍ أنهى فيها الدراسة الابتدائية، وما يزال يعتزُ بأساتذته في مدرستها «العزيزية» بمبناها الحديث وإدارتها القديرة وزملائه الأوفياء، ويستعيد من ذاكرةٍ واهنةٍ مديرَ المدرسة الأستاذ علي اليعقوب، ووكيلَها الأستاذ صالح الحُميْد، وأحد معلميه الأستاذ محمد البكر، وآخرَعربيًا اسمه شكري، ويأمل أن يكون قد أورد أسماءَهم صحيحة، ويعتذر ممن لم تجُدْ بهم محاولةُ الادّكار، كما يدعو لمن غادر بالمغفرة ولمن بقي بالحياةِ الطيِّبة.
** عامان قضاهما مع والديه وجدّته وبعض إخوته وقت تعيين والده مدرسًا بمعهدها العلمي إثر تخرجه في كلية اللغة العربية؛ فكوَّن الصبيُّ صداقاتٍ جميلةً داخل المدرسة وفي حارة « عفنان «مع أعزاءَ من أسرٍ كريمة: (الصابر- العتيق – السديري- القاسم- الصَّيخان – الحسن – المستحي- الأسلمي- الجازع- الرشيد- اليحيى...) وآخرين يسأل المولى سبحانه أن يكونوا بخير.
** انقطع عهدُه بها بالرغم من حبِّه لها، ويستعيدُ منها طيبةَ أهلها وفطريتَهم وكرمَهم ووفاءَهم وتقبل الاختلافات مع غيرهم، وروت جدته « لطيفة» أن نساء حائل وقتها كُنَّ يدنين عباءاتهن حتى أسفل القدمين ويسحبْنها خلفهنّ، في حين كانت عباءتا الجدّة رحمها الله المعتزةِ بانتمائها إلى قبيلة شمر والوالدة موضي حفظها الله تستران الكعبين فقط، وسُوئلتا مع صديقة لهما فردتْ الصديقة بقولها : «لكم دينُكم ولي دين»، ويذكر أنه أحضر دراجته معه من عنيزة، وبمجرد إنزال أمتعتهم أخذها ليلعب بها في الشارع، وسمع أولادًا يتهامسون بينهم: « شوفوا القصيميّ يزمُر» -أي «يختال»- وفهم الرسالة فأعاد الدراجة للبيت، ولا ينسى مبالغتهم في الكرم حتى صار الغداء والعشاء في بيوت الأصدقاء مقرونًا بأيمانٍ مغلظةٍ لعدم الاعتذار.
** حائل مدينة علمٍ وثقافة وتاريخ، وزار الوالدَ في عنيزة الأستاذان القديران فهد العريفي وعاشق الهذال – عليهما رحمة الله - فاستدعَوا ذكرياتٍ لو سُجّلت لوثقتْ مرحلةً جميلةً من مراحل العمر، ويستعيد مَن ابتدأ به، وهو المرحوم جار الله الجبّاري فقد استودعه نصًا نُشر في الجزيرة في 30 مايو 1999م، وللمفارقة فكأنَّ عنوانَه نُبوءةُ رحيله: (الباقي من الزمن ساعة) وفيه:
دقّت نواقيسُ الخطرْ
في معرض العيش الرغيدْ
وسمعتُها دون البشر
بل كنتُ مدركَها الوحيدْ
لا تسألوني ما الخبرْ
لا تطلبوا منِّي المزيدْ
** سؤالُ الشاعر بدعة.