د.شريف بن محمد الأتربي
في منتصف ثمانينات القرن الماضي، وتحديدًا في منطقة الدقي كان هناك محلان لبيع العصير، أحدهما يدعى فرغلي، والثاني على ما أظن ربيع. كان المحلان يقدمان العصير بالطريقة التقليدية المعروفة للجميع، سواء عصير القصب، أو الفواكه، أو الكوكتيل، وحتى المشروبات الشعبية، كالخروب، والعناب، والعرقسوس. وفي لحظة فارقة قام المعلم فرغلي بعمل مشروب جديد سماه فخفخينا، وهو عبارة عن مزيج ما بين الكوكتيل وقطع الفاكهة الطازجة، وانتشر المشروب بشكل واسع حتى ضاقت الطرقات أسفل كوبري الدقي واضطرت المحافظة إلى وضع خدمات مرورية لتنظيم حركة السير. كان المشروب وما زال لذيذًا في طعمه، ومكوناته، يقدم لكل زبون من الزبائن النكهة التي يحبها، ما بين المانجو، والفراولة، والتفاح، وغيرها من الفواكه، الكل سعيد وراضٍ ولديه شعور أن هذه الكأس من العصير خصصت له ولا يمر زمن طويل إلا ويعود ليطلب كأس الفخفخينا الذي يسعده.
وفي خطوة مفاجئة قام المعلم فرغلي بنقل محله من ميدان الدقي إلى آخر شارع جامعة الدول العربية في منطقة لم تكن تطأها قدم، منطقة مهجورة غالباً. لم يتوقع أحد أن ينجح المعلم فرغلي في هذا المكان، ويشأ الله تعالى أن تكون هذه النقلة سببًا في تعمير المنطقة كلها وزيادة الكثافة السكانية بها، بل وتحول الشارع كله إلى شارع سياحي، وما لبثت المحافظة أن نقلت كل عربات الأطعمة من أحياء الجيزة إلى هذا المكان.
وقبل أيام أعلن معالي وزير التعليم عن خطة التعليم الجديدة، والفصول الدراسية، والعطلات، والمواد الجديدة التي ستدرس للطلبة، بل وأعلن أن خطط التطوير هذه قد تأخرت وأشير أن الخطط القديمة التي طبقت كانت مقترحة قبل فترة طويلة من تطبيقها، وبالتالي أصبحت قديمة ولا تتوافق مع متطلبات العصر آنذاك، بل ذكر معاليه أن نتائج مخرجات التعليم على مستوى المملكة لا تلبي الطموح ولا تحقق مستهدفاتها وأن هذه النتائج على مستوى الاختبارات الدولية غير مرضية البتة.
ومع انطلاق العام الدراسي الجديد، أتنمى أن يكون لدينا خلطة الفخفخينا لطلابنا، بحيث يجد كل طالب في مساره التعليمي مذاقاً خاصاً به، يشعره بلذة الرحلة التعليمية، ويجذبه إليها، ويجعلها رحلة ممتعة وليست منفرة. إن كأس الفخفخينا التعليمية بما تحويه من معلومات ومهارات وثقافات تمثل جانباً من جوانب تفريد التعليم، يرافقها آلية تطويرية لمقدمي الخدمة التعليمية كلهم بدءاً من حارس البوابة وحتى مدير المدرسة، فلكل واحد منهم دور في إعداد هذه الكأس، وأي تقصير من أي طرف منهم لن يشعر الطالب بلذة طعم الكأس، بل ربما ينفره منها.
إن توجه الوزارة بقيادة معالي الوزير نحو تطوير التعليم، لم تبدأ اليوم فقط، ولكنها بدأت بترتيب البيت من الداخل من خلال إلغاء ودمج بعض الإدارات، واستحداث إدارات أخرى مثل الإدارة العامة للتعليم الإلكتروني والتعليم عن بعد، وغيرها من الإدارات التي وضعت وتضع سياسات تعليمية متطورة تحلق بأبنائنا الطلاب وبمعلمينا وإداريينا الأجلاء في فضاء العلم والمعرفة، بما يليق بمملكتنا الحبيبة ويتفق مع المعايير العالمية للتعليم.
وخلال هذه العطلة الصيفية، أتمنى أن تطلب الوزارة من المعلمين، وقادة المدارس، والمشرفين التربويين أن يشاركوها خططهم التعليمية، ودور كل منهم في الفترة القادمة، وأن لا تكتفي الوزارة بإرسال المنشورات فقط؛ ولكن يجب التأكد من استيعاب الجميع لأدوارهم الجديدة في العملية التعليمية، ليكون كأس الفخفخينا التعليمية بمذاق يسعد شاربيه من فلذات أكبادنا.