محمد بن إبراهيم الحسين
قبل آلاف السنين كانت أغلب مناطق الجزيرة العربية تسكنها العرب البائدة الذين يطلق عليهم ذلك المسمى ليس لأنهم بادوا كما يعتقد الجميع وإنما لأنهم هاجروا: جنوباً إلى اليمن ومنه إلى الحبشة وإفريقيا، وشمالاً إلى الهلال الخصيب ومنه إلى آسيا وأوروبا. وكانت القبائل العربية البائدة تستقر في جميع الجزيرة العربية، ومن تلك القبائل: عاد، ثمود، جرهم، العماليق، طسم، جديس، أميم، عبيل، وبار. وقد اختفت تلك القبائل في العصور الجاهلية قبل ظهور الإسلام نتيجة الهجرات إلى خارج الجزيرة العربية واندماج ما تبقى منها بالقبائل الأخرى التي حلت في ديارها. ومنطقة نجد قلب الجزيرة العربية، وتنتشر في ذلك الإقليم قبيلة ثمود، وتزخر جبال تلك المناطق بالنقوش الثمودية وهي عبارة عن رسومات لبشر وحيوانات وكتابات بالخط الثمودي. وإقليم سدير قلب منطقة نجد، أطلق عليه مسمى سدير تصغير سدر لانتشار أشجار السدر في أوديته..
قال ياقوت الحموي، المتوفى عام 626هـ، في «معجم البلدان»: (بظاهر السخال وادٍ يقال له سُدير).
قال نابغة بني شيبان، من بني بكر من ربيعة:
أرى البَنانةَ أقْوَتْ بَعْدَ ساكِنِها
فَذَا سُدَيْرٌ وأقوى منهُمُ أُقُرُ
قال القتال الكلابي، من بني كلاب من عامر بن صعصعة من هوازن:
لعَمْرُكَ إنني لأحب أرضاً
بها خرقاءُ لو كانت تزارُ
كأن لِثاتها عُلِقَتْ عليها
فروعُ السِّدْرِ عاطيةً نوارُ
أطاع لها بمدفع ذي سُدَيرٍ
فروعُ الضَّالِّ والسَّلَمُ القِصَارُ
قال عمرو بن الاهتم، من بني زيد مناة بن تميم:
وقوفاً بها صحبي عليَّ مطيهم
يقولون لا تجهل ولستُ بِجَهَّالِ
فقلتُ لهم عهدي يزينبَ ترتعي
منازلها من ذي سُديرٍ فذي ضالِ
وقبل ظهور الإسلام كان معظم سكان إقليم سدير من قبائل ربيعة، ولكن تلك الديار خلت من أهلها لأن أغلبهم قتلوا مع مسيلمة في حرب اليمامة. قال الحموي: (قال السكوني: من خرج من القريتين متياسراً، يعني القريتين اللتين عند النباج (الأسياح) فأول منزل يلقاه الفقي، والفقي واد في طرف عارض اليمامة من قبل مهب الرياح الشمالية، وقيل: هو لبني العنبر بن عمرو بن تميم، نزلوها بعد قتل مسيلمة لأنها خلت من أهلها، وكانوا قد قتلوا مع مسيلمة، وبها منبر وقراها المحيطة تسمى الوشم والوشوم ومنبرها أكبر منابر اليمامة).
وبعد مقتل قبائل ربيعة وخلو ديارهم منهم خلفتهم عليه بعض فروع قبيلة تميم التي كانت تسكن الدهناء، إلا أنه بقي في سدير بقايا من قبائل ربيعة. يقول الهمداني، المتوفى عام 334هـ في «صفة جزيرة العرب»: (ثم تصعد في بطن الفقي، فترد الحائط، حائط بني غُبَر، قرية عظيمة فيها سوق، وكذلك جماز سوقٌ في قريةٍ عظيمة). وبني غُبَر هم: بني غُبَر بن غَنْم من بني يَشْكُر من بني بكر بن وائل من ربيعة. وتنتشر قبيلتي بكر وتغلب في اليمامة، وفي سدير كانت إبل تغلب ترعى في وادي أُراط وتحبس فيه حمايةً لها لكي لا تؤخذ عند الحروب..
يقول عمرو بن كلثوم:
ونحن الحابسون بذي أَراطٍ
تسفُّ الجِلَّةُ الخُوْرُ الدَّرينا
وكان يسكن سدير فروع من بني قشير من بني عامر بن صعصعة. يقول الحموي معدداً قرى اليمامة ومنها الفقي: (منبجس من نواحي اليمامة قرية لبني العنبر، وقَرِيُّ بني قُشير). ومنبجس قرب روضة سدير، أما قَرِيُّ فقال الحفصي إنه على شط وادي الفقي. وكانت قبائل بني كلاب وبني كعب ومنها قشير، من بني عامر بن صعصعة تنتشر في بلدات الفقي «سدير» وترد مسميات تلك البلدات في أشعارهم، ومنها بلدة جلاجل..
يقول عوف بن الأحوص، من بني كلاب بن عامر بن صعصة:
تَسُوقُ صُرَيْمٌ شَاءَها مِن جُلاجِلٍ
إِليَّ وَدُونِي ذَاتُ كَهْفٍ وقُورُها