د. تنيضب الفايدي
استمتعت بالتدريس في المرحلة الابتدائية في حين بعض المعلمين يرونه مهنة المتاعب، وكنت أحاول تغيير هذا المفهوم لديهم، لأن المهنة تتعلق بالحدادة والنجارة وبقية الأعمال كالبناء وما يتبعها. أما التعليم والتربية فهما رسالة، ثقافة، تعديل سلوك، تحليل حل مشاكل، وهكذا... أما من اتخذه مهنة، فالأفضل له أن يغادر هذا الميدان، أكتب ذلك كمقدمة لمن يواجه الطلاب في اليوم عدة مرات، وكان المعلمون في معاهد المعلمين يركزون على النظريات التربوية وأساليب التعليم لمن سيتخرج منها ويؤكِّدون على شخصية المعلم وضرورة أن يكون قوياً أمام الطلاب وإلا يحس الطلاب بأي ضعف في أي جانب من جوانب شخصية المعلم، ولا سيما الجانب العلمي، وإذا واجهك -أيها المعلم- سؤال لا تستطيع الإجابة عليه لا تشعر الطلاب بعجزك بل تصرف بمحاولة أن تكون الإجابة من قبلهم أثناء الحصة، أو تجيره للحصة القادمة (وتقول لهم: أترك لكم الفرصة للإجابة عليه الحصة القادمة).
وكان خريجو المعاهد الثانوية للمعلمين يدرسون بمجرد تخرجهم وكنت أدرس العلوم عام 1391هـ بالصف الخامس وكان موضوع الدرس «الكواكب» وكانت المعلومات بسيطة عن تلك الكواكب (تعريفها، أسمائها، الفرق بين النجم والكوكب) وكان تلفزيون المدينة المنورة يبث البرامج من المدينة) وقد عرض برنامجاً مصوراً (عن أول رحلة فضائية إلى القمر) وأول رائد يمشي على القمر، وأن أول إنسان مشى على سطح القمر هو (Neil Armstrong) نيل أرمسترونغ وأغلبهم رأى ذلك البرنامج (وكان الصعود قريباً) ورأى أغلب الطلاب ذلك البرنامج ربما قبل عامين أو ثلاثة؛ لأنني عند سؤال (من شاف المركبة على سطح القمر) تسابق الطلاب (أنا... أنا يا أستاذ) وكان السؤال الأخير (مين شاف أول إنسان وهو يمشي على القمر). أجاب أحدهم (أنه ينقّز يا أستاذ ما يمشي) قصدهم ينقّز (يقفز)، وشرحت لهم القمر وكيف يدور على الأرض على (وسيلة إيضاح كما تسمى سابقاً) عبارة عن مصور للمجموعة الشمسية وقبل نهاية الحصة جاءني سؤال لم أتوقعه حتى في الخيال، هذا السؤال كأنه حجر أرسله علي ذلك الطالب، سؤال لا يصلح معه ما أخذناه من توصيات من التربويين بأن الإجابة في الحصة القادمة، وهذا السؤال يدل على أن ذلك الطالب لديه ذكاء خارق إذا ما تمت العناية به، كان السؤال بصيغة بسيطة جداً سأذكره كما سأله وهو (احنا يا استاذ نشوف اللي وصل للقمر وهم هل يشوفونا) أي: أن سؤال الطالب بصيغة أخرى (من كان على سطح القمر كيف يرى الأرض)، ولم استطع الإجابة ولم أقل: الإجابة في الحصة القادمة ولا السنة القادمة، ولم أعرف الإجابة إلا بعد أعوام من بعد تلك الحصة عندما أصبحت مديراً لمدرسة، والإجابة: نعم، إنهم يروننا أي: يرون الأرض كما نرى القمر، أي أن الأرض يتطلعون إليها إلى الأعلى فهم صعدوا من الأرض إلى القمر وعندما رجعوا صعدوا من القمر إلى الأرض ولا نقول نزلوا إلى الأرض، لأن رؤية الأرض من القمر تكون أعلى، فكل كوكب صعدت منه إلى كوكب حتى ترجع إلى ذلك الكوكب تصعد إليه أيضاً ولا تستخدم كلمة نزل أو أي كلمة مشابهة.
أخيراً أيها التربويون لا تستهينوا بعقول الطلاب ولا تؤثّروا على تلك العقول إلا بما ينمّيها، فهناك عباقرة من أصحاب تلك العقول.