ماجد البريكان
ليس هناك أقسى على الإنسان من أن تسطره يداه نعياً لإنسان آخر عزيز عليه، وليس هناك صعوبة أكبر من أن يجد هذا الإنسان كلمات وعبارات تترجم «حقيقة» شعور الحزن والأسى من داخل قلبه، إلى صدر صفحة بيضاء، وكلما كان الفقد مؤلماً، كانت الكلمات عاجزة عن نقل هذه المشاعر، التي تتلاطم في بحر من المعاناة النفسية لا نهاية له.
أحاسيس متضاربة ملأت صدري، ودموع هربت من مقلتيّ، وأنا أتلقى - على حين غرة - خبر وفاة الصديق الصحافي محمد إبراهيم العبيد، الذي كأنه قرر أن يذيقني المُعاناة في كأس مترعة بالألم، برحيله المفاجئ.
عمداً.. لم أصدق الخبر، رغم إيماني بأنه حقيقي، ضحكت على نفسي، وأوهمتها بأنه خبر كاذب أو مزحة سخيفة، وجدني أرفض الاعتراف الداخلي بأن أبا إبراهيم رحل - فعلاً - عن عالمنا، أردت أن أعيش في عالم الوهم لحظات إضافية، تهمس في أذني بأن صديق العمر ما زال على قيد الحياة.
شعور الفقد لا يتحمله كثير من البشر، وأنا منهم، الإحساس بأن زميلاً وأخاً اعتدت رؤيته كل يوم لمدة عقدين، أو سماع صوته في الهاتف، أو قراءة تغريدة أو تعليق كتبه في حساب تواصل اجتماعي، قد توقف ولن يعود، أمر مزعج للنفس. عرفت محمد إبراهيم العييد في وقت مبكر جداً من حياتي العملية في مهنة البحث عن المتاعب، حسبته شخصاً عادياً مثل باقي زملاء المهنة، ولم تمر أسابيع إلا وكشف الرجل عن معدنه الأصيل، ليكون زميلاً بدرجة أخ حقيقي، ومعلماً بدرجة مبدع، ينشر الابتسامة في المكان ولو كان الحزن يملأ قلبه، كريم إلى أقصى مدى، يجعلك تشعر بأنه ينافس كرماء الأدب في الجزيرة العربية قديماً، يجود بماله سراً لمساعدة الزملاء والأصدقاء ولو لم يكن يملك ما يكفي لكل هذا الكرم، ووصل جوده إلى الجمعيات الخيرية في مسقط رأسه «عنيزة»، لإيمانه بأن للفقراء والمحتاجين الحق الأصيل في بعض ما يحتويه جيبه.
لا أتذكر أنه رد إنساناً قصده في «فزعة»، ولا أتذكر أنه أساء لشخص ولو بالخطأ العابر، من أعلى وظيفة في مكتب الجزيرة، إلى زميلنا عامل النظافة، لا يبخل بعلمه وخبرته على أحد، ولعلي هنا أسجل وأعترف، وإن جاء هذا الاعتراف متأخراً بأن أبا إبراهيم أحد الداعمين الأساسيين لي في مسيرتي العملية، فجزاه الله عني وعن الكثير ممن ساعدهم، خير الجزاء. رحلت يا صديقي، وتركت لنا الذكرى الطيبة.. رحلت وتركت لنا الألم الذي يتوجه حزن يعتصر القلوب، لأننا لن نراك ثانية، رحلت ونحن في شوق إلى رؤياك، ولكنها إرادة الله عز وجل، ولا نقول إلا ما يرضيه {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.