في إحدى ليالي نجد البهية خرجت متنزهاً مع عائلتي إلى إحدى المتنزهات، حيث لاحظت وجود عدد كبير من الزملاء المسعفين يتجولون على أقدامهم، يطلق عليهم -فرق راجلة- في المجال وهم أخصائيو الإسعاف. وخلال التنزه جاء تعليق من زوجتي على الفريق الإسعافي بعبارة (شف أخوياك)، تلك العبارة التي بعثت في نفسي مشاعر الفخر والاعتزاز كوني أحد المنتمين لهذا العمل النبيل والإنساني. حينها عادت بي هذه اللحظة إلى تلك السنين التي مرَّت على هذا القطاع منذ بداية دخول أول سيارة إسعاف إلى المملكة والذي تحوَّل فيه القطاع من الاستجابة للحالات الطارئة بعد وقوعها إلى التأهب والاستعداد لهذه الحالات قبل وقوعها مما يسهم بشكل كبير في كسب الوقت واحتمالية انقاذ حياة إنسان.
لا أعرف كيف لي أن أصف شعوري بالأمان لمجرد وجود هؤلاء المسعفين في مكان التجمع الذي قررت أن أحصل على قهوتي منه، وجودهم يشعر الفرد أن هناك من يحميك دائماً وكأنهم بتواجدهم يبعثون برسائل للمتواجدين (لا تقلق نحن بعون الله نحميك).
وربما يقول قائل إن هذا الشعور طبيعي ولا يوجد فيه ما يدعو للفخر، فقد يكون لكثرة الخريجين والمتطوعين في هذا المجال فيتم الاستفادة منهم وتوزيعهم في أماكن التجمع. وأقول وما الضرر فهذا يعتبر من الاستثمار الأمثل لرأس المال البشري وهو أهم المقومات، كما ذكر سمو سيدي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان وأكده في محافل عدة.
ولكن ما يدعوني للسعادة هو أن هذا المسعف يبادر بتلمس أماكن المخاطر المحتملة مما يعني أن هناك آلية واضحة لتقييم المخاطر في الأماكن، وهذا العمل قائم على تخطيط إستراتيجي ومؤسسي مستقر وينمو.
كذلك أصبح المسعف أكثر علماً وأكثر مهارة وإدراكاً وأكثر استعدادًا، وهذا يعود إلى تضافر جهود الكليات التي طورت برامج التعليم فيها بشكل ملحوظ في العقد الأخير. ومن جهة أخرى يعود إلى ممارسة المهنة حيث تتبنى أعلى وأحدث المعايير والتنظيم والعمل على سلاسل الإمداد والتطوير بشكل مستمر.
ومؤخراً تم الاستعانة بالتكنولوجيا في هذا المجال حيث يتم طلب الخدمة من خلال تطبيق «أسعفني»، حيث يتم الوصول للحادث بشكل أسرع من خلال خدمة تحديد المواقع، وكذلك يتم تسجيل البيانات بعد وصول الفرق الإسعافية من خلال الأجهزة اللوحية مما يسهم في كفاءة وسلامة أعلى للمرضى.
كل هذا التطور الملحوظ تم تحقيقه من خلال العمل الجبار والمنظم الذي أخذ من الوقت الكثير من قبل رجال الإسعاف في الميدان الذين لا يثنيهم عن إتقان عملهم في وجود التحديات التي تواجههم خلال عملهم سواء في الحر الشديد أو في أوقات متأخرة من الليل، فهم يعملون بشكل مستمر ودائم ولا يزال أمامنا مشوار طويل لتقديم ما هو أفضل لبلدنا ومواطنينا ومقيمي هذا البلد المعطاء.
وهذا يعود بفضل الله تعالى ثم دعم القيادة التي كانت ولا زالت تقدم الدعم لتطور هذا القطاع الصحي المهم والحساس من أيام المغفور له الملك المؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود إلى يومنا هذا وبفضل زملائي الذين ساهموا في تطويره بجميع مستوياته.
** **
سالم خليل العنزي - أخصائي إسعاف وطوارئ (مسعف) - ماجستير إدارة الصحة والمستشفيات وإدارة الجودة الصحية