علاء الدين محمد فوتنزي
اختارت المنظمة الأمم المتحدة 5 حزيران- يونيو من كل عام باليوم العالمي للبيئة، وأصبح يوم الاحتفال بيوم البيئة العالمي، الذي يعقد سنوياً منذ عام 1972م، منصة حيوية لتعزيز التقدم في الأبعاد البيئية لأهداف التنمية المستدامة، ويعطي كل يوم دولي فرصة للعديد من الجهات الفاعلة لتنظيم الأنشطة المتعلقة بموضوع اليوم، وتسعى مؤسسات ومكاتب منظومة الأمم المتحدة بالإضافة إلى الحكومات وقطاعي المجتمع المدني والخاص والمؤسسات التعليمية والمواطنين بشكل أعم، لجعل اليوم الدولي نقطة انطلاق لأنشطة التوعية الخاصة بموضوع اليوم وأهدافه، ولا يغفل عن فطن أن عام 2021 هو عام الطموح والعمل لمعالجة الأزمة التي تواجه الطبيعة، إنها فرصة لإدماج الحلول القائمة على الطبيعة بشكل كامل في العمل المناخي العالمي، ويعد هذا العام أيضاً عاماً حاسماً لالتزامات الدول بالحفاظ على التنوع البيولوجي واستعادة النظام الإيكولوجي.
ولئن كانت الأمم المتحدة قد اختصت البيئة بيوم عالمي -قبل نصف قرن- فقد سبق الإسلام جميع الأمم منذ أكثر من ألف وأربعمائة عام إلى محافظة البيئة ورعايتها من كل شيء يؤثر في جمالها ورونقها، وهذه المحافظة في مصلحة الفرد والمجتمع، وهذه ليست دعوة الإسلام فقط بل جميع الأديان السماوية، والذي يتدبر الآيات القرآنية من قوله تعالى: {والأنعام خلقها لكم فيها دفء ومنافع ومنها تأكلون} إلى قوله تعالى: {وهو الذي سخر البحر لتأكلوا منه لحماً طرياً وتستخرجوا منه حلية تلبسونها وترى الفلك مواخر فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون} من الآية 5 حتى الآية 14 من سورة النحل، يدرك تماماً أن الكون مسخر بأمر الله للإنسان فيجب عليه أن يحافظ على نظافته ونظامه الدقيق البديع الذي خلقه الله عليه.
مفهوم البيئة ومدلولها في الشريعة الإسلامية
البيئة كما في تعريف دائرة المعارف البريطانيّة هي: «مجموع العوامل الطبيعيّة والكيميائيّة والحيويّة التي تعمل على كائن حيّ أو مجتمع بيئيّ، وتحَدّد بشكل تام شكله وبقاءه» ويرى رشيد الحمد مؤلف كتاب (البيئة ومشكلاتها) -بعد استعراض لمفهوم البيئة في عدد من التعريفات المختلفة- أنها: «الإطار الذي يعيش فيه الإنسان ويحصل منه على مقوّمات حياته من غذاء وكساء ودواء ومأوى، ويمارس فيه علاقاته مع أقرانه من بني البشر».
وأما كلمة «البيئة» لم يرد في القرآن الكريم ولا في السنة المطهرة، لكن مدلولها كان مرتبطاً دائماً بكلمة الأرض في القرآن الكريم، فقد استخدم القرآن بدلاً من كلمة البيئة مصطلح الأرض للدلالة على المحيط أو المكان الذي يعيش فيه الإنسان، وقد وردت كلمة «الأرض» في القرآن الكريم ما يقرب من 545 مرة منها قوله سبحانه: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأرض قَالُواْ إنما نَحْنُ مُصْلِحُون} وقوله عز وجل: {وَأَخْرَجَتِ الأرض أَثْقَالَهَا} وقوله: {هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأرض وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا} ويراد بقوله: {واستعمركم فيها} أمركم بعمارتها بما تحتاجون إليه، وفيه دليل على وجوب عمارة الأرض للزراعة والغراس والأبنية.
ومن ثم فإنّ علماء المسلمين لم يستخدموا كلمة «البيئة» استخداماً اصطلاحياً إلا منذ القرن الثالث الهجري وربما كان ابن عبد ربه صاحب كتاب «العقد الفريد»، هو أقدم من نجد عنده المعنى الاصطلاحي للكلمة إذ يقول: «إن البيئة بمعنى الوسط الطبيعي والجغرافي والمكاني والإحيائي الذي يعيش فيه الكائن الحي بما في ذلك الإنسان».
نقطة تحول في تطوير السياسات البيئية الدولية
وفي عام 1972م انعقدت تحت رعاية الأمم المتحدة، المؤتمر الرئيسي الأول حول القضايا البيئية في الفترة من 5 إلى 16 يونيو في ستوكهولم (السويد)، وكان ذلك بمثابة نقطة تحول في تطوير السياسات البيئية الدولية، وكان الهدف المنشود من المؤتمر، المعروف بمؤتمر البيئة البشرية، أو مؤتمر ستوكهولم، صياغة رؤية أساسية مشتركة حول كيفية مواجهة تحدي الحفاظ على البيئة البشرية وتعزيزها، وقد شارك الملايين من الناس على مر السنين في هذا الحدث، مما ساعد على إحداث تغيير في عاداتنا الاستهلاكية وكذلك في السياسة البيئية الوطنية والدولية.
تهدف الدول خلال الاحتفال بهذه المناسبة حماية البيئة البشرية وتحسينها، وتوليد زخم سياسي حول المخاوف المتنامية مثل استنفاد طبقة الأوزون والمواد الكيميائية السامة والتصحر والاحترار العالمي ورفع الوعي بمشاكل بيئية مثل التلوث والاحتباس الحراري العالمي والامتداد العمراني والتخلص من النفايات التي تؤثر على جميع الكائنات الحية على حد سواء.
ثيمة اليوم العالمي للبيئة
يروج اليوم العالمي للبيئة لموضوع جديد كل عام، ويتم تسليط الضوء على شق معين من المواضيع المرتبطة بالبيئة، ويختلف تماماً عن العام الذي يسبقه، وكانت ثيمة عام 2020 هو «التنوع البيولجي (Biodiversity)» ويدعونا الموضوع لهذا العام تحت شعار «استعادة النظام الإيكولوجي» (Ecosystem Restoration) الذي يعدّ أساس الحياة على الكرة الأرضية، وهو العنصر الأساسي للأنظمة الأيكولوجية التي توفّر السلع والخدمات الداعمة لرفاه المجتمع من الناحية الاقتصادية والاجتماعية، وأما استعادة النظام البيئي هي المساعدة في استعادة النظم البيئية التي تدهورت أو دمرت، وكذلك الحفاظ على النظم البيئية التي لا تزال سليمة، ويمكن أن تحدث الاستعادة بعدة طرق -على سبيل المثال- من خلال الزراعة النشطة للأشجار أو عن طريق إزالة الضغوط حتى تتمكن الطبيعة من التعافي من تلقاء نفسها.
ويتم استضافة كل يوم بيئي عالمي من قبل دولة مختلفة، حيث تقام الاحتفالات الرسمية، ودولة باكستان هي البلد المضيف لاحتفالات يوم البيئة العالمي لعام 2021.
هكذا نحافظ على سلامة نظم البيئة
ومن المحتم أن تكون البيئة نظيفة وآمنة لتوفير محيط صحي ونقي للكائنات الحية، وهناك العديد من الأشياء التي تعمل على إعادة بناء، وحماية الموارد الطبيعية المتبقية، والتنوع البيولوجي في النظم الإيكولوجية، ومن أهمها: المحافظة على البيئة بتقليل الاعتماد على مصادر النفط في إنتاج الطاقة، والاتجاه بشكل رئيس على مصادر الطاقة المتجدّدة النظيفة التي تمنع تلوث البيئة مثل: طاقة المياه وطاقة الرياح والطاقة الشمسية، ووضع قوانين رادعة للحدّ من التلوث الناتج عن عوادم وسائل النقل، وإلزام المصانع بوضع مصاف لتصفية الدخان الناتج عنها، وزيادة المساحات الخضراء وزراعة المزيد من الأشجار والنباتات لأنها تُنقي الهواء وتلطف البيئة بشكل كبير، بالإضافة إلى الحفاظ على مصادر المياه ومنع تلوث منابعها الرئيسية أو الفرعية واستهلاك الماء بالشكل المناسب دون إسراف.
منهج الشريعة الإسلامية في رعاية البيئة وحمايتها
تميزت الشريعة الإسلامية بمنظومة متكاملة من التوجيهات والتشريعات والمبادئ التي تهدف لحماية ورعاية البيئة بأشكالها ومكوناتها كافة، وأنها انفردت بتقديم منهج واقعي عملي في هذا المجال، ينطلق من الوازع الديني الداخلي، وصولاً للتشريعات التطبيقية، ووضع الآليات الرقابية والعقابية للمخالفين والمعتدين، وتحريم وتجريم كل ما من شأنه إلحاق الضرر بها أو أحد مكوناتها، واعتباره مستحقاً للعقوبة المناسبة.
وللبيئة أهمية كبيرة في حياة الإنسان، لذا اهتم الإسلام بالبيئة اهتماماً كبيراً، فحماية البيئة يعدّ سبيلاً لحماية مقوّمات الحياة، وقد تمثَّلت حماية الإسلام للبيئة في كثير من الوجوه منها: عدم الإسراف في كلِّ شيء؛ لأنّ ذلك يؤدي إلى استنزاف موارد الطبيعة وتبديد مقدراتها دون جدوى، ففي الحديث أن النبي -صلى الله عليه وسلم- مر بسعد بن أبي وقاص وهو يتوضأ فقال: «ما هذا السرف؟»، فقال أفي الوضوء إسراف؟ قال: «نعم، وإن كنت على نهر جار» وقال سبحانه وتعالى: {كلوا واشربوا من رزق الله ولا تعثوا في الأرض مفسدين}.
وتزخر السنة النبوية بالدعوات المتكررة للحفاظ على البيئة؛ ومن ثم الحد من أثر الظواهر الطبيعية مثل: الانجراف والتصحر والجفاف؛ وفي هذا الإطار يقول الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم-: (ما من مسلم يغرس غرسًا إلا كان له صدقة». وقال: «اتقوا الملاعن الثلاث قيل: وما الملاعن يا رسول الله قال: أن يقعد أحدكم في ظل يستظل فيه أو في طريق أو في نقع ماء»، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (اتقوا اللعانين، قالوا وما اللعانين يا رسول الله؟ فقال: الذي يتخلى في طريق الناس أو ظلهم).
الخاتمة
وفي نهاية المطاف.. أقول إنّ قضية البيئة وآليات حمايتها أصبحت حديث المهتمين أجمعين، وباتت تؤرق كل إنسان حر يطمح في مستقبل آمن للأجيال القادمة، خال من التلوث والإشعاعات، فالتلوث قد زاد أثره وعظم خطره، وصارت البيئة تئنّ من ذلك وتشتكي، ولو كان لها صوت يسمَع لصكّت أسماعنا صرخاتها، ولذلك قامت دول ومؤسسات، وجمعيات وهيئات لمواجهة هذا الخطر المحدق، ففي هذا السياق يجب علينا التعاون مع المجتمع الدولي بمختلف الصور في سبيل حماية البيئة ومنع تلويثها، والانضمام للعهود والاتفاقيات الدولية المنعقدة لحماية البيئة ما لم تتعارض مع أحكام الشريعة الإسلامية.
** **
كاتب وباحث أكاديمي - جمهورية الهند