الهادي التليلي
لم تكن سنة 1976تاريخاً لميلاد قمة مجموعة السبع والتي أطلق عليها آنذاك قمة مجموعة الدول الأكثر قوة على المستوى الاقتصادي لولا وجود ساسة من طينة جيسكارديستان والملقب بالأب الشرعي لقمة مجموعة السبع وجيرالد فورد الزعيم الأمريكي رمز التقارب الأمريكي الأوروبي بعد روزفلت والقائد البريطاني هارولد ويلسون والزعيم الألماني وولف وغيرهم وهم قادة لهم نظرة توافقية حول ما يتهدد العالم من أزمات اقتصادية تعيده إلى لحظة 1929والأزمة العالمية الاقتصادية التي وضحت حداً لرخاء ليبيرالي في لحظة ما بين الحربين العالميتين، فغول الأزمة الاقتصادية العالمية هذه وإحساس العالم بأن السيناريو قابل للتكرر في أواسط السبعينيات نتيجة ما اعترى أسواق البترول من تحديات ساعتها وما نجم عن صدمات الصناعة والتجارة نتيجة المنافسة المتوحشة والتهديد بشح الموارد وتفاقم التضخم المالي.
قمة مجموعة السبع التي تضم كلا من فرنسا وألمانيا وإيطاليا واليابان وبريطانيا وكندا والولايات المتحدة الأمريكية تعقد هذا العام بالضاحية البريطانية كورنوول أو قرنوالية والتي تنطق بالإنجليزية Cornwal وحسب النطق المحلي بالقرنوالية Kernow وهي مقاطعة إنجليزية ساحلية جنوب غرب إنجلترا تقع في الناحية الغربية من نهر تامار وديفون الذي يعتبر المركز الإداري والمدينة الوحيدة في المقاطعة ونعني بذلك مدينة ترورو تعد أول اجتماع بهذا الحجم على المستوى الدولي مباشراً وبكل الإجراءات الاحترازية طبعاً منذ أزمة كوفيد 19 وهي قمة راهن الجميع على كونها الطاولة الحقيقية التي تلم شمل العائلة الاقتصادية الأقوى في العالم، وككل اللقاءات والمؤتمرات الكبرى تنقلب فيها معادلة المركز والهامش حيث إن اللقاءات الإعدادية هي الأساس ومنها تكون كل المخرجات واللقاء النهائي بين الزعماء هو مجرد حضور بروتوكولي وتشريع بالصورة الذهنية لما أنجزته فرق العمل من اجتماعات وزراء المالية والخارجية وغيرها.
هذه القمة التي تتزامن مع أول جولة للزعيم الأمريكي جو بايدن منذ توليه رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية ستكون فقرة هامة في نسيج من العلاقات الأمريكية الأوروبية المحين بعد المرحلة الترامبية -نسبة إلى دونالد ترمب- التي شهدت عديد الهزات مع الحليف الأوروبي الشريك المركزي في الحلف الأطلسي ولعل ما كشفته مصادر بريطانية من كون اللقاء الذي يجمع بين بايدن ودجونسون يشهد تجديد ميثاق الأطلسي الذي تم توقيع نسخته الأولى بين تشرشل وروزفالت في 1941وذلك لتعزيز العلاقة بين البلدين إلى أعلى مستوى كما ستكون جولة بايدن لأوروبا لإزالة الشكوك حول آثار اللقاء المرتقب بين بايدن وبوتن حيث إن بايدن يريد أن يؤكد على أن اللقاء لن يكون على حساب مصالح أوروبا بل في مصلحتها، ولعل الحرص على أن يكون موعد اللقاء في جينيف السويسرية العمق الأوروبي وعاصمة عدم الانحياز في أكثر من إشارة ومن معنى ورسالة للعالم والحليف الأوروبي.
وعلى ذكر روسيا فإن تاريخ قمة مجموعة العشرين يعلمنا أن روسيا كانت قد انضمت لقمة مجموعة السبع في 1988 والتي تم تعديل اسمها ساعتها إلى مجموعة الثمانية زمن ميخائيل غورباشيف مهندس البروسترويكا والمنهي للحظة الحرب الباردة بين المعسكرين الشرقي والغربي ولكن بعد ضمها لجزيرة القرم الأوكرانية في 2014 تم سحبها من المجموعة لتعود لتسميتها القديمة أي مجموعة السبع علما أن مقياس انضمام الدول لهذه المجموعة التي نشأت على قيم الحرية وحقوق الإنسان والديمقراطية وحكم القانون والرخاء والتنمية المستدامة حسب مؤسسيها هو معدل الرخاء بالنسبة للفرد من ثروات البلاد وهو ما يرونه مبرراً لعدم إدراج الصين القوة الاقتصادية الثانية في العالم في هذه المجموعة حسب تبريرهم.
قمة مجموعة السبع كورنوول 2021 دخلت التاريخ حتى قبل بدايتها بفرض ضريبة لا تقل عن 15بالمائة على الشركات العابرة للقارات كإصلاح جبائي وإجراء وقائي وضماني في لحظة كورونا وعلى منظمة التجارة العالمية التعامل مع هذا المنجز الجبائي الذي ستكون له إنعكاسات إيجابية على الدول ويحمل الكيانات الاقتصادية المعنية مسؤولية اجتماعية كما أن هذه القمة دخلت فعالياتها بمخرجات قمتي مجموعة العشرين والأرض على المستوى البيئي وخاصة الانبعاثات الكربونية والاحتباس الحراري ومواجهة عديد التحديات في هذا الشأن وفي الجهة المقابلة هناك عديد الصعوبات واجهت المشاركين في الاجتماعات القطاعية الممهدة للقمة وخاصة المواقف من إثيوبيا وتحديداً إقليم تيغراي وقضية الملف النووي الإيراني والشرق الأوسط والمواجهة الاقتصادية مع الصين وملف كوريا الشمالية والتهديدات على أوروبا من الجار الروسي، كما أن الشرق الأوسط ببابيه السوري والعراقي كذلك ليبيا جعلت الحوار ليس بالسهولة التي تقرأ من الابتسامات الديبلوماسية للزعماء في أول لقاء مباشر منذ كورونا.
قمة مجموعة السبع التي يراها ترامب عفا عليها الزمن وتحتاج إلى تحيين وإضافة بلدان أخرى تشهد انتقادات حادة خاصة فيما يخص المقياس المعتمد في ضم الأعضاء والذي يراه الكثيرون زئبقي وغير علمي ومجرد مبرر للحفاظ على الأسرة الليبيرالية العضوة فيه وعدم إدماج من ينتمون للمعسكر الاشتراكي وغيره كما أن البعض يرى بأن بعض الدول التي صارت بعد أزمة كورونا أقرب إلى بلدان العالم الثالث اقتصاديا مثل إيطاليا وفرنسا وجودها تحت غطاء لبلدان الاقتصادية السبع المؤثرة في العالم فيه كثير من التجني والانحياز الذي يتقاطع مع القيم التي رفعتها هذه البلدان ساعة التأسيس في 1976 ويرون بأن غياب قامة اقتصادية من فئة المملكة العربية السعودية والتي يعد مستوى رخاء الفرد فيها مقارنة بالثروات الوطنية أعلى من عدد من هذه الدول مجتمعة مسألة تعود إلى أسباب غير موضوعية.