د.محمد بن عبدالرحمن البشر
يبدو أن الوباء كوفيد - 19، بدأ ينسل رويداً رويداً، من المشهد العالمي، ولا سيما في الدول المتقدمة، والقادرة على توفير التطعيم اللازم، والتي لديها إجراءات حازمة لاتخاذ التدابير اللازمة، والجائحة في النهاية زائلة لا محالة بعون الله وفضله، ثم اتباع الأسباب الكفيلة بالحد من هذا الوباء.
الدول المؤثرة اقتصادياً في العالم استطاعت السير إلى الخلاص منه، وأخذت تعود تدريجياً إلى مزيد من وضع طبيعي جيد بحذر، ولا شك أن ذلك يعني مزيداً من الطلب على السلع والخدمات، والمواد الأولية اللازمة لذلك، وهي في هذا المسار تعلم أنها قادمة على وضع طبيعي جديد، يختلف عما قبل كوفيد، وقد يذهب ذلك الوضع الطبيعي السابق بلا رجعة.
الأسواق في العالم أخذت في الانتعاش، وزيادة الطلب بدت واضحة على كل شيء، وأخذت السلع طريقها إلى المستهلك الذي عانى كما عانت الأسواق من ألم هذه الجائحة في فترة من الزمن، وأخذ التفاؤل يسري إلى عقول الناس مدعومين بأمل جديد يحسن حياتهم ومعيشتهم، وهذا الأمل هو الوقود النفسي والعملي للبشر ليعيشوا ما أراد الله لهم أن يعيشوا، وبما كتب الله لهم من رزق بمعناه الواسع، وزيادة الطلب ستجر معها مزيداً من العرض، مما يعني حركة ديناميكية في الاقتصاد العالمي، وفي سلسلة طويلة من العمليات التي تدفع بالحركة في قطاعات مختلفة من المواد الخام إلى سائر المراحل المختلفة في الإنتاج حتى تصل إلى المستهلك النهائي، وهو المستهدف من العملية الاقتصادية برمتها.
لا شك أن ارتفاع الطلب يعني انتعاش في أسعار الأسهم، وارتفاع في أسعارها، لا سيما الأسواق المستقرة والصلبة البنية مثل الولايات المتحدة، وأوربا، والصين، والمملكة العربية السعودية، وبعض دول الخليج، وبعض دول الشرق، وهذه الدول في العموم، هي التي تقود اقتصاد العالم وتؤثر وتتأثر به، فهي المحرك الفعلي له، بدرجات متفاوتة، لهذا فإننا نلحظ بشكل واضح كبر حجم الاقتصاد السعودي، وضخامة سوق أسهمه، ورواج السلع به، وتسيده للأسواق القريبة، وكثير من الأسواق البعيدة، فقد أصبح سوقاً جاذباً مهيئاً للمزيد من النمو.
كثير من الشركات العالمية العملاقة تأثرت بالجائحة وأخرى استفادت، أما تلك المتأثرة فقد عملت إجراءات لإعادة هيكلتها وتقليل تكاليفها، لكنها في الوقت نفسه حصلت على أموال من الحكومات أو بضمانتها، للمحافظة على البقاء حتى زوال السبب، وبعد هذا كله فقد أخذت التفكير في تلمس السبل لتخفيف ديونها بما قد تجنيه من عوائد بعد عودتها، ولهذا فمن المنطق أن تبقى مدة معينة تخفض ديونها، وما ترتب عليها من فوائد.
شركات مثل شركات الطيران، أو الفنادق أو المؤسسات الترفيهية العالمية، وشركات البترول العالمية، وشركات صناعة الطائرات مثل بوينج وإيرباص وغيرها سوف تأخذ وقتاً حتى تعود إلى التخلص من بعض ديونها، لكنها سوف تعاني بلا شك، ومع هذا فإننا نجد أن الأمل والتفاؤل سبق الواقع، فارتفعت أسعارها بالأسواق العالمية، حتى عادت أوكادت تصل سعرها السابق قبل الجائحة، وهذا يجسد تماماً بذرة التفاؤل والأمل التي يعيشه الكثير من الناس، بينما نجد أنَّ المتشائم والمحبط، غالباً ما يبقى متفرجاً، وقد يخسر فرصة كانت متاحة، لو أنه لحق بركب المتفائلين، لكن علينا أيضاً ألاَّ ننسى أن قليلاً من أولئك المتفائلين لم يحققوا ما طمحوا إليه، أو أنهم قد واجهوا مشكلات كبيرة.
المواد الخام بدأت في الشح عالمياً منذ زمن غير يسير، فمواد مثل الحديد والنحاس والقصدير والليثيوم، وغيره من المواد أصبح مطلباً عالمياً، لا سيما من قبل الدول الصناعية وعلى رأسها الولايات المتحدة، وأوروبا والصين، وإذا أخذنا العامل السياسي بالاعتبار فإن بعض الدول ستكون مقتصرة في حصولها من المواد الخام على قارات بعينها حتى تلبي حاجتها من تلك المواد اللازمة.
ارتفع الطلب على الطاقة نتيجة لزيادة الطلب العالمي، وتقلص المخزون، وتبقى المملكة العربية السعودية الدولة القادرة على مد الأسواق العالمية بما تحتاجه من طاقة لازمة، فهي ضمانة لبقاء العالم ينعم بالطاقة بسعر مناسب.