مِن نعم الله الغامرة على بلادنا الحبيبة أن تشكَّلت كلُّ بقعة فيها بطابعها المميز كياناً وإنساناً لتكتمل لوحات وجودنا ووجداننا في تَجَلٍّ أصيلٍ ثريٍّ مؤتلق التَّنوع قَلَّ - بل استحال - أن يقاربه نِدٌّ أو شبيه، وأن تكون جنوبياً تسكن الطائف وتُساكنه.. فتلك نعمة حقُّها أن تُغبَط، وأن تَغنم ذلك من بدايات الصِّبا وللأدب في صِبغتك مَسارب أخذتْ تتلمس طريقها في العروق والذائقة فذاك رَغَدٌ واعد ستفيض نُعماه بك ومنك لتَغْنَى بها وتُغْني كل ماحولك قِيَماً وقامات؛ وما أديبنا القدير علي خضران القرني إلا واحدٌ من نُخبة تَبدَّى في منجزها هذا (المزاج الجنوحجازي) بكل تَراحُبه ووداعته!.. أجل (وداعته) المتسامية عن كل شائبة بموازاة أكثر من ستة عقودٍ شهدت من عاصف النزاعات الفكرية والأدبية ما يُقذي ويؤذي، تلك صِدقاً خليقةٌ ومَنقبة قَلَّ مَن تَحَلَّى بها واستمسك، كما هي حال أديبنا الفاضل وهو يتسنم أكثر من منصب في مجالي الأدب والتعليم مؤسِّساً وداعماً ومبدعاً يُوالي إصدار مؤلفاته في أكثر من حقلٍ أدبي وإعلامي وتربوي؛ ومما لاشك فيه أن الحاجة أشد إلحاحاً في وقتنا الحالي لتسليط الضوء على سيرته وسيرة جمعٍ من أعلامنا ورموزنا الذين ينتمون للحقبة نفسه مبدعين ومبدعات على السواء؛ بلى.. من المهم والضروري أن نقرب مبدعينا الواعدين من عوالم هذه النخب البارزة؛ ليس فقط لتنوع وتميز ما قدموه من منجزٍ إبداعي - مما هو جدير بالاحتفاء بالفعل - وإنما لطبيعة الممارسة واقعاً.. للمثابرة.. لطول النَّفَس.. لهذه الشمولية والاستمرارية الطامحة في أهدافها، والمخلصة المتيقنة من تَحَقُّق غاياتها ومن دسامة عوائدها على الوطن حفظاً لتراثٍ أصيل واعتزازاً بحاضرٍ متوثبٍ واستشرافاً لمستقبلٍ تَوَّاق يستمد طاقته ويستلهم رؤاه من تلك العراقة وهذا العنفوان؛ تلك هي (خلطتنا السرية) التي نفاخر بإعلانها قُدواتٍ ومقتدين؛ هُداةً ومهتدين، حتى يَرى منا العالمُ أجمع..
.. في كلِّ وادٍ نَبْت سامقةٍ
وبكلِّ دربٍ هِمَّة تَعدو
إِثْرَ ال (مُحمَّد) سيرةً ورؤىً
وحثيثَ عزمٍ شامَ يحتَدُّ
لَمْ تُثْنِهِ عن غايةٍ رِيَبٌ
أو يُقصِهِ عن مُرتَقىً بُعدُ
ماضٍ بعونِ اللهِ.. مَنهجُهُ:
(وقل اعملوا) واستبسلوا.. جِدُّوا
في حاضرٍ يُغنِي شواهدَهُ
ممَّا ورثنا الآصَلُ التَّلْدُ
سُدْنا بهِ الدُّنيا بأجمعها
ونَظلُّ.. كلُّ لفيفِها بَعدُ!
** **
د. فاطمة القرني - عضو مجلس أمناء أكاديمية الشعر العربي - عضو مجلس الشورى للدورتين السادسة والسابعة