بعد مقالين خصصتهما، بهذه المجلة العريقة وهي ثقافة الخوف، ونظرة تفاؤلية، وأيضاً، لا تدع اليوم يفلت من يدك، هأنذا سأبدأ في الثالث ضمن سلسلة مقننة، الهدف منها القراءة خارج الصندوق ونبش التراث، بطريقة سهلة، ولكنها عميقة وكذلك باعتبارة جزءاً مهماً من ثقافة الشعوب!
كنت قد أنهيت مقالي السابق وسأبتدئ به:
هل قصص الأمهات لأطفالهن على ما فيها من رعب وخوف تولّد ثقافة؟
للإجابة عن ذلك نحتاج إلى مقالٍ آخر، لنسبر غور هذه القصص والأساطير والأحاجي، ولنبدأ بذاكرة الأبناء لحكايات أمهاتهن لهم، قبل النوم، وما فيها من رعب وتشويق وإثارة..
- البداية من استجرار حكاية السعلي
سأتقمّص شخصية و «كركتر» الأمهات من وحي ذاكرتي:
كان ياما كان يا ولدي الهمام. في ليلة تغشّاها مطر وبرد ونور شارف على الظلام، رجلٌ تخطّى الصعاب ينقذ ولده الذي في عقله مَسّ من مردة الجانّ، يخاف عليه ألا يبصر أنياب السُعْلِي، مغروزة في باب بيتهم القديم، ذي الأخشاب وعَتْبَة من حَجَرٍ وطين، بحث هنا قال يمكن وربما هناك، والحقيقة أن السُعْلِي خطفَ ولدَه، وبات في غمٍ يفكر، كيف الخلاص، وفي فمِهِ، مرٌّ اختلط بتمر من خلاص، وفي ذاك البيت القديم الذي يسكنه، كل شيء إلا البشر!
- ثم، ماذا يا أمي؟
- لم تنم بعد! حسنا أسْمع، وتلحّف جيّدا!
اتخذ الرجل من عزيمته حِزام جنبه، وقرر دخول البيت، ولكن قبلها ينادي أصحاب الجنّ المسلمين وبدأ يصرخ:
يا هُبّان الريح، أغيثوني، أغيثوني ...
حتى شَعُرَ بقربهم، فدلف الباب، وأنياب السُّعْلِي في الخشب، والخوف في داخله من لُبابٍ إلى لُباب، فتحَ فتحة، من أثرٍ الجان الذي معه، وقف فرأى ما لا يتمنّاه، السُعْلِي أمامه، وولده لا يزال حيّا، لكنه خائف جداً ...فانقضّ عليه مرّة واحدة..
- غازل النوم جفونك يا ولدي، نم إذا كثرت همومك يا ولدي فنمّ.
هذا بعض حكايات السُّعْلِي، فكيف نجمع الخوف من مثل هذه الحكايات، والأساطير ونجعلها ثقافة؟
الإجابة هي حكاية السُّعْلِي لم تزل باقية تتناقلها الأجيال كابراً عن كابر، مع اختلاف الزمان وظرف المكان في مواقع التواصل الاجتماعي الآن، وأصبحت بعض الأمهات، لا يسردن القصص لأطفالهن على عكس جيل، في زمن الطيبين، تربّوا على هذه الحكايات، والقصص التراثية، والتي أظهرت لنا من خريجيها، مبدعين في شتّى المجالات ثقافة، فكراً أدباً وفلاسفة، في جميع دولنا العربية، بغزارة هذا التراث!
والسؤال المهم هنا: كيف نزرع في أطفالنا مثل هذا التراث؟ والإجابة على هذا السؤال المهم، تحتاج إلى مقال منفصل، ليأخذ حقه من الدرس والبحث والكثير من النتائج.
سطر وفاصلة
في آخر نقطة من هذه المسألة، تكمن ربما من وجهة نظري:
في الرغبة مع القدرة وهما هاجس كل نجاح..
أو لا قدَّر الله الفشل، وطعمه الحنظل!
«لولا سياسة الانتشار بين النسخ واللصق.. لما كان هناك ما يُسمّى المشهور، والنجم الرقمي.
كثيراً منّا وأنا أولكم، حين نقرأ أو نشاهد أو نسمع مقطعاً، يصيبنا هوس التعرّف ثم النسخ واللصق. ولو فكّرتُ وغيري في خطره لوقف عندنا، وقبرناه في مهده ...
** **
- علي الزهراني (السعلي)