د. ابراهيم بن عبدالرحمن التركي
** قال له: أتحتَ بعضَ أوراقكَ خلال عامٍ ونصف قضيتَهما في «عزيزية حائل»، فماذا عن أكثرَ من أربعة أعوام سبقتْها في « فيصلية عنيزة»؟ وهل نسيتَ أن محبيها يسمونها « السوربون» ويُدلُّون بدعابتهم على أصفيائهم في المدارس الأخرى؟
** لم يعذرْه أن أجابه برغبته في تأجيل الحديث عنها إلى كتابٍ قادمٍ يحكي فيه سيرته، وفيه تفاصيلُ تلك المرحلة وما أرهص بها وما جاء بعدها، أصرَّ فاستجابَ، واستعاد أيامَه الأجمل إذ مثَّلت مبتدأ تأسيسه وركيزة انطلاقه مذْ دلف عبر بوابتها العريضة، وكان في الرابعة وأشهرٍ من عمره حيث كان والده - رحمه الله - مدرسًا بها قبل إنهائه التعليمَ الجامعيّ فرأى أن يصحبه معه « مستمعًا»، وحين أراد سحبَه من الدراسة قبيل الاختبارات صدَّه عن ذلك معلمُ الصف الأول الأستاذ حمد الفنيخ - عليه رحمة الله - مؤكدًا أنه متميزٌ بين أقرانه، فسجله رسميًا، واختبر الصبيُّ وكان الأولَ على زملائه ذلك العامَ وما تلاه.
** لم يخلُ ذلك التبكيرُ من أثرٍ سلبي حين عبّأ استمارة «الشهادة الابتدائية» في حائل، وعمره عشرة أعوام وشطرُ عام، واضطرَّ بتوجيه إدارة مدرسته إلى أن يزيدَ في سِنِّه فظلَّ مولودًا بتأريخٍ مختلف، واعتاد الوالد - غفر الله له - الدقة في تسجيل ولادات أبنائه في مجلدٍ ذي غلافٍ أزرق ما نزال نحتفظ به موثقًا الوقت بيومه وتأريخه، ومُتبعًا بدعاءٍ شمل من عاش منهم، وهم عشرة، ومن اختارهم الله، وهم ولدان وبنت.
** تتابعَ على إدارة المدرسة الفيصلية مديرون أفاضل؛ فقد درس صاحبكم في زمن إدارة الأستاذ الكريم عبدالله الصالح الدامغ حفظه الله، وسبقه المربيان محمود ياسين الحمد 1326-1434هـ والشاعر عبدالله بن عبدالرحمن العرفج 1340- 1439هـ، وعلّمه فيها أجلّاءُ منهم: والده والأساتذة: حمد الشريّف وناصر الجطيلي وعبدالله الزيد الفرة وحمد الحميميدي وعبدالعزيز الغشام وعلي الرويشدي وعبدالله العريني وسليمان الدويّش وعبدالله الحُميدي وعبدالله المانع وصالح الشويمان وعبدالله البطشان وعبدالله الرّشِيد وإبراهيم الناصر وعبدالله الخويطر، وآخرون، وكان وكيل المدرسة آنذاك الأستاذ سليمان العلي السويل، ومراقب المدرسة الأستاذ عبدالله العلي المذن، رحم الله من مضى وأمد في عمر من بقِي.
** استعان لتوثيق ذاكرة الأسماء بصديقه الأستاذ حمد بن علي العباد حفظه الله عبر تغريدة نشرها قبل أعوام، وأشار فيها إلى مبنى المدرسة المكوَّن من دورين، وملاعب لكرة الطائرة والزانة والقفز والمهر بنوعيه - كما ذكر أبو علي - وسيسألُه ما هما النوعان.
** قرأ في مكتبتها أولَّ كتاب، وألقى من مسرحها أولَّ خطاب، وتلقى - في الصف الثاني- أولَ وربما آخر ضرباتٍ «تربوية» لخطأٍ لم يرتكبْه، ووعى «الفرّان» الذي يشتري منه الخبز وقت الفسحة فيُلحقها بكأس شاي أو يرفقها بتمراتٍ جافةٍ من «السكري»، واشترك في أشبالها فترةً ولم يُعد التجربة بعدها، ومازح بعضُ معلميه والدَه ووظفوا براءتَه فما فتئت حكايةً لطيفةً للتندر.
** من مفارقات موقع هذه المدرسة تجاورُها مع «أم القبور»، وهي موقع أثري يقع على طريق حاج البصرة، وسميت لكثرة المدافن حولها، وحُفرت في القرن الثاني للهجرة، واختلف البلدانيون في اسمها القديم؛ أهو الشَّجا أم الخُرج (بضم الخاء)، وما تزال مزارًا؛ فكأن القبورَ عانقت النور فجمعت في مكانٍ واحدٍ سكّان الدارين.
** الحياةُ تبدأُ لتنتهي.