د. محمد بن خالد الفاضل
في يوم الجمعة غرة ذي القعدة عام 1442هـ، رحل من دنيانا الفانية معالي شيخنا وحبيبنا الشيخ ناصر بن عبدالعزيز الشثري (أبوحبيب) رحمه الله، وهو حبيبٌ لكل من عرفه أو قابله، وما أكثر أحبابه وعارفيه من كل الطبقات والمستويات والجنسيات؛ لأن باب قصره أينما حل في الرياض أو جدة أو غيرهما مُشرع على مصراعيه للضيوف والأحباب والزائرين والسائلين وأهل الحاجات، وقلّ أن يأكل وجبة طعام إلا على سفرة ممدودة لهذه الفئات، ولهذا دخل المجد من أوسع أبوابه، وحواه من جميع أطرافه، لأن الكرم عند العرب سيد الأخلاق كالحلم، وهو -رحمه الله- قد جمعهما مع التواضع والسماحة والبشاشة للناس والصبر عليهم والنهوض بأعبائهم وحاجاتهم وطلباتهم، فهنيئاً له هذه الدعوات الصادقة التي ترتفع بها الأكف إلى السماء من مئات الناس ممن يعرفهم أو لا يعرفهم، لأنه قد استغل -رحمه الله- قربه من ولاة الأمر للشفاعة للناس وخدمتهم وتفريج كروبهم على مدى خمسة عقود أو أكثر، كما أنه سخي النفس واليد بالبذل من ماله الخاص، حيث لا تعرف شماله ما تنفق يمينه، وكل ما ذكرته وما لم أذكره في هذا الباب هو غيض من فيض مما يعرفه الناس عن الشيخ -رحمه الله-، وقد استفاض هذا الأمر فعرفه كثيرون ممن لم يروا الشيخ ولم يتعرفوا عليه.
ومنذ أن عرفت الشيخ قبل ربع قرن تقريباً وأنا أسعد بتكرار زيارته مع أخي الحبيب الدكتور إبراهيم أبوعباة، وكان يسأل عنا إذا تأخرنا عنه، ويخصنا بمزيد من الود والمؤانسة مع رفع الكلفة، وللشيخ أدبيات وإخوانيات رائقة، ويغلب تخصصه في اللغة العربية عليه أحياناً فيتحفنا ببعض محفوظاته من الأدب والشعر وهي كثيرة، ويحدثنا عن مطارحات ومسامرات أدبية وعلمية له تمتد إلى الفجر مع بعض أحبابه العلماء ويخص منهم ثلاثة: الشيخ محمد البواردي، والشيخ راشد بن خنين، والشيخ محمد بن هليّل، وهذه المجالس كانت قبل نصف قرن تقريباً، وتعجب من سهرهم إلى الفجر في وقت لا يُعرف فيه السهر، ولكنّ جلسات المسامرة مع الأحباب والأقران في رياض الأدب فيها لذة تفوق لذة السهر هذه الأيام أمام الجوالات عبر مواقع التواصل التي ينسى فيها الناس أنفسهم، ومع اهتمام الشيخ بالأدب والشعر فهو معدود من علماء الشريعة، وقد تتلمذ على والده الشيخ أبوحبيب -رحمه الله- وعلى كبار العلماء في وقت الطلب، وهو زميل للشيخ عبدالله بن جبرين، وشيخ له في الوقت نفسه -رحمهما الله-، وله اهتمام خاص بعلم الفرائض، وكثيراً ما كنت أناقشه فيه لأستفيد، وقد سجلت معه بعض المقاطع اليسيرة في ميراث الأخ الشقيق والأخ لأب، وما عُرف في الفرائض بالمسألة الحجرية أو الحمارية، وقد حفظت من الشيخ بعض إخوانياته الأدبية مع الشيخ محمد البواردي -رحمهما الله-، لكن الذاكرة لم تعد تسعفني بها، وقد قصّرت في تدوينها أو تسجيلها.
إن الحديث عن معالي الشيخ -رحمه الله- حديث ذو شجون وشؤون متعددة، ولو تيسر لأبنائه الكرام وفيهم علماء ومؤلفون وطلاب علم أن يجمعوا كل ما قيل أو كُتب وما يصلهم من ذلك مما لم ينشر مع استكتاب بعض زملائه وأصدقائه ومحبيه لخرجوا بسفْر ضخم يليق بهذه الشخصية الفذة المتعددة الجوانب، ويسجل كثيراً من مآثره وسيرته العطرة.
رحمه الله، وجزاه عنا خير الجزاء، وجمعنا به ووالدينا جميعاً وذرياتنا وأحبابنا في الفردوس الأعلى من الجنة.