الهادي التليلي
ليس دائماً ما تراه هو الحقيقة قد يكون صورة مضللة تخفي جحيما يحتاج تغطية ندوبه إلى الاستثمار في تجميله على قاعدة انظر إلى حيث أريد لك وفي الحقيقة المشهد الإيراني صورة ناصعة لهذا الواقع الذي في صفحته الأولى قوة عسكرية وعلمية وفي باطنه وأحشائه ضعف ووهن كفيل بهدم كل تفاصيل الأسطورة التي يجتهد الباب الدبلوماسي في الانغلاق عليه وحجبه وهنا يحضرنا قول ابن خلدون عن التاريخ «التاريخ في ظاهره لا يزيد عن الإخبار وفي باطنه نظر وتحقيق» فالتخلف الاجتماعي والاقتصادي الإيراني يحتاج إلى تحقيق وتفحص في تفاصيله لأن البطون الخاوية لا تفكر ولا تتجمل والقمع الداخلي وثقافة الخوف التي نجح في ترسيخها نظام الملالي قد تكون ذات جدوى لتغطية الواقع المزري في شتى المجالات في الفترات الماضية نتيجة الحرص المفرط على جعل شماعة المفاوضات النووية باباً للدخول لمجتمع البلدان الممتلكة للسلاح النووي ولكن بعد أن وصل الوضع إلى ما هو عليه من تردي اقتصادي والفقر المدقع نتيجة الحصار الاقتصادي وتدهور الدخل الفردي والقدرة الشرائية مع ما زرعه الشأن الانتخابي من أسئلة تعمق الانتقائية التي تتقاطع مع ما يروج له من شعارات براقة فالطاعة العمياء والثقة المطلقة في نظام الملالي تغيرت إلى عكسها إلى ما يشبه الاستعمار للإرادة والحرية الفردية والتجويع في سبيل الحصول على قنبلة نووية.
التعنت الإيراني والمكابرة الكاذبة تكشف زيفعها يوماً بعد يوم الانفجارات المتواترة هنا وهناك سواء في مصافي النفط أو في عمليات التخريب الممنهجة في مواقع المفاعلات لدرجة جعلت من الأسئلة المتواترة من الفاعل؟ هل هو من الخارج أو من الداخل؟ وبالرغم من كون عديد الأصابع توجهت إلى الخارج فإن أصابع تحديد المسؤولية للداخل في سياق ما يحدث من مخاض ثورة داخلية وحراك مجتمعي تستنهضه الآلام المتكررة والأخطاء المتواترة لحكم الملالي في الداخل والخارج فالمجتمع الإيراني الذي أصبح ثلثيه يعيشون تحت خط الفقر لا يحتاج لحفز خارجي كي ينتفض على من حول خيرة ونعمته إلى نقمة بل لم يعد محتاجاً إلى قنبلة نووية بقدر حاجته إلى لقمة العيش.
فمشهد الانتخابات الإيرانية يعكس تفاقم خوف علي خامني من الخصوم الحقيقيين الذين سيعاودون محاولة بث نفس ليبيرالي ينفتح على الآخر ويعطي نفساً داخلياً للتعبير والحضورالمجتمعي فبالرغم من كون خامنئي هو خامنئي منذ وفاة الخميني هو المتحكم الفعلي في الشأن الإيراني فإن وجود رئيس ثامن للجمهورية الإيرانية بخطاب مغاير للرئيس السابع حسن روحاني مسألة قد تبعثر الأوراق وتسرع بالانفجار المجتمعي الذي قد لا يستطيع نظام الملالي الصمود أمامه فالوضع لم يعد يسمح بالمجازفة بالنسبة إليهم لأن الخوف الذي أصبح أقرب إلى الوسوسة جعل في أذهانهم وفي وجدانهم بأن وجودهم على سدة الحكم مسألة وقت لا أكثر ولا أقل وحتى السعي لتنشيط الجبهة اليمنية بدعمهم للحوثي على جرائمه بشكل كبير جداً في الأيام الأخيرة مسألة تنفيس وتصعيد إذا ما استعرنا المصطلح النفسي فإن ذلك للتنفيس وفتح مجالات اهتمام خارجية لإلهاء الداخل عن أسئلته الجوهرية لأن الهروب بالخارج عن ألم الداخل هو آخر المحاولات لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من تفاحة تظهر لمن يراها مكتملة مستوفية مساحاتها البصرية ولكن في داخلها تكاد تصل الديدان إلى سطحها وقشرتها الخارجية، إنها وهم قوة قد يسقط بين عشية وضحاها ولن يحتاج في ذلك إلى الخارج ولعل أمثلة سقوط الإمبراطورية العثمانية والاتحاد السوفياتي وغيرهما دروس يقدمها التاريخ ونسيها أهل الملالي وإحتياطاً تحصنوا بأن وجدوا لأنفسهم ملاذات فاخرة بالخارج إذا ما أراد التاريخ أن ينقلب عليهم شعبهم الذي توهم فيهم القوة والعدالة والأحلام الطوباوية الرنانة ولم يحصد سوى الجوع.