سليمان بن عثمان الفالح
في يوم الجمعة الموافق 1 ذو القعدة 1442هـ فوجئت باتصال الأخ عبدالمحسن بن عبدالعزيز الربيعي وهو ينعى لي والده وأنه توفي هذا اليوم، وتعزيتي بحكم علاقتي الوطيدة بهم، وقد سبق أن اتصلت به هاتفياً قبل شهرين مباركاً له بدخول شهر رمضان وأسأله عن صحته وعن ظروفه فأبدى لي أنه بخير وأنه يرجو العفو والمغفرة من الله سبحانه وتعالى وكان التأثر ظاهرًا على نبرات صوته، دعوت له بالصحة وفوجئت بعد ذلك بخبر وفاته عن طريق أحد أبنائه.
كان -رحمه الله- أحد الصحفيين الأقوياء، وكان حاداً في آرائه وفي كتاباته، وكان وطنياً مخلصاً ومحباً لإخوانه وفياً لأصدقائه وصادقاً في ولاءاته، يكره المجاملة ويحب المصارحة، يكره النفاق بكل أشكاله، لا يجامل أحداً في آرائه وفي توجهاته.
كان -رحمه الله- محباً للخير وكارهاً للشر، وكان كثير من الناس يعرف ذلك عنه وكانوا يأتون إليه في منزله لقضاء حاجاتهم رغم صغر البيت الذي يسكنه حيث لا يتجاوز مئة متر في حي غميته المعروف بحي المرقب الجديد، وبعضهم ينتظره عند بابه وعندما يخرج يحمل بعضهم بسيارته رغم قدمها وبعضهم يواعده في مكان حاجته، وهو -رحمه الله- يقوم بحاجات الناس بصدر منشرح وبنفس راضية وأعمال الخير كثيرة رغم قلة ما في يده وفي جيبه لأنه -رحمه الله- مشرب بحب الخير، وأعمال الخير لا تقتصر على قضاء الحاجة معنوياً أو مادياً وإنما قضاء الحاجة شامل حسبما يستطيع المرء وقد ورد في الحديث الصحيح ما رواه الشيخان عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته)، وفي الصحيح عن حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه)، والأحاديث كثيرة في هذا الباب لا سيما إذا اقترن الفعل بالنية الصادقة واحتساب الأجر عند الله، والإنسان مهما كان لا يستطيع القيام بشؤونه وحده وإنما بتعاون إخوانه معه والله سبحانه وتعالى يقول: {وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} (سورة المائدة: آية 2)
وكان -رحمه الله- حريصاً على مساعدة الغير وقضاء مطلوبه مهما كان صغيراً أو كبيراً حسب استطاعته، وكان لا يمل ولا يسأم من كثرة الطلبات عليه حتى أنه ليستعير وسيلة النقل عندما يحتاج إلى ذلك، فقد سبق أن جاء إليَّ وطرق الباب بحدة وعندما خرجت له قال لي أعطني مفتاح السيارة فسلمته له فوراً وكانت الوحيدة عندي لكن لمعرفتي به وبصدقة وأنه سوف يقضي عليها حاجة أو يوصل مريضاً إلى المستشفى، هان عليَّ تسليمها وبعد مدة عاد إليَّ وأخبرني بأن السيارة صدمت وأنه سامح المخطئ عليه نيابة عني.
كان -رحمه الله- وفياً مع أصدقائه ومحبيه كان يزورهم ويزورونه وكان من أعز أصدقائه معالي الأستاذ عبدالعزيز السالم والأستاذ محمد بن عبدالعزيز الصغير وكان بينهما ود صادق ومحبة ثابتة لا تتغير وليست مبنية على مصالح، وعندما توفي الأخ محمد الصغير (الذي هو ابن عمنا) شاركنا منذ بداية مرضه إلى أن توفاه الله ثم شاركنا بتجهيزه والصلاة عليه ودفنه ثم وقف على قبره وبكى ودعا له بالمغفرة والرحمة وذكره بخير، وها هو يلحق به -رحمهما الله وغفر لهما- وإلى الجنان الخالدة إن شاء الله، ولقد خلف أبو محمد أبناء بررة تربوا في حضنة وبالقرب منه، وقد وفقهم الله في خدمته في صحته وفي مرضه، حفظهم الله وجعلهم خير خلف لخير سلف وأعانهم على السير على منوال والدهم، والله الموفق.