عبده الأسمري
بين مثول «الإلهام» وحقول «الاستلهام» ووسط فصول «المهام» أقام أصول «المقام» في قامة «سفير» وقيمة «خبير»..
شكل جملته «الاسمية» من مبتدأ الداخلية وخبر الخارجية وكان «الفاعل» المرفوع بالهمة في أفعال «السفارات» وضمير «المتكلم» في أقوال «المفاوضات» كمدير فني يتخذ من «السياسة» لعبة فكرية ومن «الكياسة» سلطة ذاتية.. ليكون «الدبلوماسي» المحترف الذي صنع «خطط» التفاوض ورسم «خرائط «التفويض».
إنه سفير السعودية الأسبق لدى باكستان ولبنان الدكتور علي بن عواض عسيري أحد أبرز السفراء ورجال الدولة في السلك الدبلوماسي.
بوجه جنوبي أبيض مستدير عريض الوجنتين تتوارد منه علامات الهيبة والطيبة معاً.. وعينان لامعتان تسطعان بالدهاء وتشعان بالذكاء مع ملامح تتقاطر منها سمات الأدب وتتسطر وسطها صفات التهذيب وتقاسيم قروية سروية تشبه والده وتتقاطع مع أخواله وصوت تتماثل فيه معاني «الدبلوماسية» وتتكامل معه معالم «الإنسانية «ولغة جهورية بيضاء تعلو منها «غيرة» الوطنية وتسمو فيها «نبرة» المهنية على منصات «الحوار» وأمام طاولات «القرار» ولهجة عسيرية ملهمة بعمق «القرية» وملمة بأفق «التنشئة» قضى عسيري من عمره عقوداً في حضور «استثنائي» ملأ فيه مكانه وأبقى فيه اسمه وسط ميادين «التدريب» وبين «مضامين» الواجب «حتى نال «نياشين» الاعتزاز اسماً فاخراً بالتميز وزاخراً بالامتياز في متون السياسة الخارجية وشؤون العلاقات الدولية «سفيراً» و»خبيراً» و»دبلوماسياً» و»مفكراً» و»مخططاً» بني «صروح» الطموح من لبنات «الأمانة» ووظف معاني «التفاني» من أعماق «المكانة»..
في قرية حالمة بشمال مدينة أبها ولد في عشية ماطرة عاطرة اختلطت فيها «صيحات» الفرح مع أصداء «المرح «وتفتحت عيناه على «أب» وجيه و»أم» حنونة.. وتلون قلبه «باخضرار» البهجة في وجوه المزارعين وتعتقت نفسه بأهازيج «الفلاحين» وتشربت أنفاسه» أريج «البساتين» فنشأ في أحضان «المزارع» وانتشت روحه روائح «الطين» في جنبات «قريته» وتكامل بوحه مع لوائح «الطيبين» في وقفات «عشيرته «وركض بين واحات قرى «شوحط» و»آل رزام» و»آل مجمل» متنفساً عبير محاصيل «التين» و»الرمان» مردداً صدى مواويل «الترحيب» و»التوجيب»..
تجرع اليتم باكراً وهو في الخامسة وغشته «ويلات» الحزن بعد أن فارق أمه التي توفت بلدغة ثعبان سام لم تمهلها «الظروف» للتشافي منه نظير وعورة الطرق وصعوبة الانتقال من القرية للمدينة وسط حياة بدائية لا تعترف إلا بالكدح والجلد وظل وقتاً ينام على عتبة منزل أمه الطيني منتظراً قدومها «المستحيل» فانتثرت في ذهنه أولى بذور «الألم» فتكاملت حصاداً من الهم بشأن أخته الصغيرة حيث عاشا بين والده وأعمامه وزوجاتهم في منزل ضم «الجميع» تحت سقف واحد مفتقداً والدته متحملاً فاجعته وتولت جدته لأبيه رعاية أخته وواجه الفقدان بمهنة الفلاحة التي نشرت في أعماقه حب الأرض وعشق الحصاد.. وتعلق وجدانه بالدراسة بعد مشاهدته لصور في مادة «الهجاء» مع أحد أقاربه.. فقرر التعلم رغماً عن «بروتوكولات» عائلية تقتضي الارتباط حصرياً بالزراعة.. وفي فجر مشرق بالطموح غادر منزل أسرته خفية بحثاً عن مقعد في مدرسة وحيدة تبعد عنهم 3 كيلومترات وسجل اسمه واستلم الكتب وعاد ليواجه أسرته بالحدث فغضبوا ثم وافقوا له شريطة أن يكون تلميذاً بالصباح ومزارعاً في المساء ,جد عسيري واجتهد وأنهي المرحلة الابتدائية وسمع خبر نجاحه عبر «أُثير» الراديو وعندما أراد إكمال المتوسطة توقفت أحلامه لخلو القرية من المدارس وكانت أقرب مدرسة له في أبها وبدأ في محاولات مستميتة للنقل إلى العاصمة الرياض رغم صغر سنه الأمر الذي دفع أباه لأن يتوسط له لاستخراج «حفيظة نفوس» عن طريق معارفه ومنحه مبلغ 80 ريالا وغادر قريته متأبطا الوداع ومحملاً بالاغتراب ومفتوناً بالكفاح حصل على وظيفة عريف كاتب وسجل ليلاً في المرحلة المتوسطة ونجح منها وسجل في المرحلة الثانوية وإذا بتحدٍ جديد يواجهه وهو اللغة الإنجليزية فسجل عصراً في المعهد البريطاني وكان برنامجه في العمل صباحاً وفي المعهد عصراً وفي المدرسة ليلا.
لم ينته طموحه بالبقاء في وظيفته السابقة وتوجه للداخلية بعد إعلان عن وظائف فغامر واستقال من وظيفته دون حقوق والتحق بوظيفة في معهد الضباط التابع للأمن العام وتم ضم خدماته وترشح في دورة المرشحين الثالثة وتخرج برتبة ملازم متميزاً عن 400 ضابط بإجادة اللغة الإنجليزية وبعد تخرجه ابتعث إلى بريطانيا لمدة عام وبعد عودته رشح للعمل في وزارة الخارجية مسؤولاً عن أمن سفارات المملكة من عام 1402 وظل بها حتى عام 1421 حيث تم تعيينه في عام 2001 بثقة ملكية سفيراً لخادم الحرمين الشريفين في باكستان وفي عام 2009 تم تعيينه سفيراً للسعودية في لبنان وسجل فيها نجاحات غير مسبوقة وانتهت مهمته في أواخر عام 2016 ورغم تقاعده إلا أنه ظل وجهاً بارزاً في الإعلام حيث تتم استضافته كخبير ودبلوماسي ومفكر ومحلل في العديد من البرامج السياسية.
حصل عسيري على درجة الماجستير في العلاقات الدولية من جامعة برستن والدكتوراه مع مرتبة الشرف الأولى من جامعة بيروت واجتاز أكثر من 23 دورة في أمريكا وبريطانيا وسويسرا وأنشأ إدارة الأمن الدبلوماسي وكانت له بصماته الجلية ومنها تحرير السفير السعودي في اليمن من الخاطفين وإعادة فتح سفارة السعودية في أفغانستان وتجهيزها. ونال وسامي الملك عبدالعزيز والملك فيصل ووسام هلال باكستان والعديد من الجوائز التقديرية وألف كتابا باللغة الإنجليزية عن جهود المملكة في مكافحة الإرهاب من ضمن إصدارات جامعة أكسفورد.
علي عواض عسيري السفير الخبير والدبلوماسي الماسي الذي وقع النجاحات بسر «الكفاءة» وحصد الإنجازات بجهر «الإجادة» ونال العطاءات بمهر «الريادة».