فيصل خالد الخديدي
- لقاءات الفنانين وحواراتهم أشبه بورش فنية فكرية عالية المستوى تُستفز فيها القرائح وتثار فيها المواضيع وتتوالد فيها الأفكار، وتبقى منبعًا مهمًا لكثير من المشاريع الفنية لا يحمي حقوقها سوى سياج النبل والشهامة. وفي الحوار بعض الأصوات تُطرب وتشجي مستمعيها وإن اختلف مستوى القناعة والاتفاق معها في صحة ما تطرح وتناقش, والبعض الآخر يشد مستمعه بعمق وعلمية ودقة المعلومة وإن خفت صوته وقلت مداخلاته فأثره الأبقى وصوته الخافت يستمر صداه, وقلة ممن يملكون ملكة الحوار والتأثير والاستمرار طيلة اللقاء والحوار بذات القدرة والتأثير والمعلومة الحاضرة فيمتلك زمام الحوار ويدير دفة النقاش بأمان لأكبر فائدة فنية وعلمية لجميع أطراف النقاش, ومتى ما حضر الصوت المرتفع وغاب الاستماع بين أطراف الحوار وأصبح الكل متحدثاً متى ما ظهر الصخب وانهارت أطراف الحوار وغابت ثمرة النقاش.
- الحراك المستمر والمتزايد في ساحة الفنون البصرية محلياً أمر إيجابي ومطلب, ولكن غياب أو تغييب صوت التنظيم والنقد المنهجي والعلمي وعدم الإصغاء لصوت الخبرة والتخصص, جعل من هذا الحراك أشبه بساحة محدودة المساحة يمارس فيها أنواع مختلفة من الفنون الموسيقية والشعبية والراب والبريك دانس والطرب الأصيل..... بأصوات مرتفعة يعلوها الصخب ولا يظهر فيها من أجاد ومن أخفق، ولا من كان يعزف على النوتة أو من يُنسج ومن كان صوته أصيلاً أو من لا يملك صوتاً أصلاً. وفي آخر المحصلة نشاط أقيم لا فيه استمتاع ولا فائدة فنية تذكر، ضاع الأصيل فيه مع المدعي ولم يحضر إلا الصخب, جهود تُبذل وإمكانيات تُصرف على فعل مشوه لا يمثل الحراك الحقيقي ولا الفن المنشود، وذلك بعد أن غاب صوت النقد المايسترو والمنظم لكل هذه الجهود.
- تناقلت الصحف والمواقع الإخبارية قبل أيام خبر بيع منحوتة من فراغ بمزاد في مدينة ميلانو بالشمال الإيطالي بمبلغ تجاوز 18 ألف دولار للفنان سلفاتوري غاراو, (وبحسب ما نقلت عنه الدار المنظمة للمزاد، وأبلغت من تنافسوا على اقتناء فراغه المنحوت، أن على المقتني وضع ما اقتناه في مكان بغرفة خاصة تخلو من أي عائق، ليعتبر أنها لعمل «منحوت» يحتل مساحة متر ونصف المتر في متر ونصف المتر، من دون أي إضاءة إذا أراد، لأن لا شيء يمكن رؤيته بداخلها سوى الفراغ. ويمكن لأي زائر للغرفة أن يدخلها في ما بعد، ليتخيل «المنحوت» الفارغ فيها، ثم يخرج شاعرًا أنه رأى عملاً فنياً). وهذا ليس العمل الأول للفنان الذي يقدمه من فراغ فقد قدَّم عملاً سابقاً وعرضه في إحدى الصفحات المتخصصة ببيع الأعمال الفنية، وهو عبارة عن فراغ قدمه تحت مسمى (أنا )، كما قدم أول تركيب غير مادي، سماه «بوذا المتأمل» وظهر في ميلانو، من دون أن يرى أحد شيئاً منه على الإطلاق، بل أشار إليه بمربع رسمه على الأرض في ساحة بالمدينة، ولم يستغرق رسمه أكثر من دقيقتين، وتوقع أن يبقى مئات السنين... (بحسب ما نشرته العربية نت في موقعها), وبعيداً عن الاتفاق والاختلاف فيما عرضه الفنان وفلسفته لهذا العمل وهو مثار جدل يمكن العودة له في مواضيع لاحقة إلا أن مثل هذا العمل وغيره من الأعمال المعاصرة لم يُكتب لها الانتشار والحديث عنها على أوسع نطاق لولا الحضور المادي ومبلغ الاقتناء المرتفع، وهو ما نقل الحديث عن العمل والبحث في فلسفته ومن هو فنانه من مجرد عمل عابر إلى عمل نجح في استقطاب قيمة مادية عالية، وهو ما يؤكد أن القيمة المادية لم تعد تابعة للعمل الفني وإنما محرك حقيقي لبوصلة الفن واتجاهه, وأن رأس المال لاعب حقيقي وأساسي في الساحة الفنية.