إعداد - صبار عابر العنزي:
يُعَدُّ الدكتور عبد الرحمن حمود السميط من أبرز المنظرين والمطبقين لفقه الدعوة في العصر الحديث، فليس من السهل كتابة تقرير عنه يمثل سيرة حياة شخص كرَّس جهوده وطاقاته لأجل إسعاد غيره من أبناء البشرية.
هو داعية كويتي من مواليد الكويت عام 1947م، ومؤسس جمعية «العون المباشر» ورئيس مجلس إدارتها، أسلم على يديه أكثر من 11 مليون شخص في إفريقيا بعد أن قضى أكثر من 29 سنة ينشر الإسلام في القارة السمراء.
طبيب الأمراض الباطنية والجهاز الهضمي
قبل أن يصبح ناشطاً في العمل الخيري، كان طبيباً متخصصاً في الأمراض الباطنية والجهاز الهضمي، تخرج من جامعة بغداد بعد أن حصل على بكالوريوس الطب والجراحة، ثم حصل على دبلوم أمراض المناطق الحارة من جامعة ليفربول عام 1974م، واستكمل دراساته العليا في جامعة ماكجل الكندية متخصصًا في الأمراض الباطنية والجهاز الهضمي. ترك الحياة المترفة المرفهة والوظيفة المرموقة وعاش بين أحراش إفريقيا وأدغالها وتجرَّع الويل والمرارة.
ولكن ذلك كان بلسماً له وسعادة ما بعدها سعادة وصفها بالقول «أجد طعم السعادة حينما أفتتح مدرسة في منطقة لم تعرف طعم التعليم, فخلال سنوات عملي لأكثر من ربع قرن في إفريقيا كان أكثر ما يدخل السرور في قلبي أن أرى شخصاً يرفع السبابة إلى أعلى ويعلن شهادة التوحيد».
بعض من منجزاته
أسلم على يديه أكثر من 11 مليون شخص في إفريقيا وبنى 5700 مسجد وحفر 9500 بئر وأنشأ 860 مدرسة و4 جامعات 204 مركز إسلامي بعد أن قضى أكثر من 29 سنة ينشر الإسلام في القارة السمراء في معدل ما يقرب حوالي 972 مسلماً يومياً، وقبل أن يصبح ناشطاً في العمل الخيري، كان طبيباً متخصصاً في الأمراض الباطنية والجهاز الهضمي، لقد كان الدكتور السميط -رحمه الله- علمًا بارزًا وسيبقى مثلاً يحتذى به في مجال العمل الخيري والدعوي.
داعية متواضع
شخصية متواضعة يرى أنه أبسط من أن يكون داعية وأنه ما زال في بداية الدرب، إذ يقول «الدعوة حقيقة أكبر مني»، قمة الثقة بالنفس وكثيرًا ما كان يردد -رحمه الله- أن الروتين الحكومي الكويتي والبيروقراطية في مستشفياتها، هي التي قادته بالاتجاه نحو العمل الخيري في إفريقيا..
وكانت فلسفته أنه يعيش من أجل إنقاذ إخوانه في القارة السمراء، أو يموت من أجلهم، ويراهن بأنه لا نجاح أبداً من دون الفشل، فالنملة لا تستطيع تسلق الحائط دون أن تسقط أكثر من مرة، والطريق إلى النجاح يمر دائماً بمحطات من الفشل، ولا خير فيمن يستسلم في المعركة الأولى، لم أرض يوماً عن نفسى ودائماً أتطلع إلى نتائج أفضل.
محاولة اغتياله
تعرض في إفريقيا لمحاولات قتل مرات عديدة من قبل الميليشيات المسلحة بسبب حضوره الطاغي في أوساط الفقراء والمحتاجين، كما حاصرته أفعى الكوبرا في موزمبيق وكينيا وملاو بغير مرة لكنه نجا بالإضافة إلى لسع البعوض في تلك القرى وشح الماء وانقطاع الكهرباء وتسلق جبال كلمنجارو في سبيل الدعوة إلى الله، وتعرض في حياته لمحن السجون وكان أقساها أسره على يد البعثيين.
قضى ربع قرن في إفريقيا وكان يأتي للكويت فقط للزيارة أو العلاج كما مارس الدعوة في كل من الاسكيمو والعراق.
كانت سلسلة رحلاته في أدغال إفريقيا وأهوال التنقل في غاباتها محفوفة بالمخاطر، وذلك بتعريض نفسه للخطر لأجل أن يحمل السلام والغوث لإفريقيا بيد فيها رغيف ويد فيها مصباح نور وكتاب, استمر السميط يعمل في الدعوة بعد أن طعن في السن وثقلت حركته وأقدامه ورغم إصابته بالسكر وبآلام في قدمه وظهره وفي أواخر سنواته استحالت حالته الصحية غير المستقرة وأخذ يعاني من توقف في وظائف الكلى ويخضع لعناية مركزة في مستشفى مبارك الكبير.
واستمر على تلك الحال حتى توفي يوم الخميس 15 أغسطس 2013م، منذ 1983م تفرغ السميط للعمل في جمعية العون المباشر كأمين عام ثم رئيس مجلس الإدارة حتى 2008 وكانت بداية رحلته مع العطف على الفقراء أنه لما كان طالباً في المرحلة الثانوية في الكويت وكان يرى العمال الفقراء ينتظرون في الحر الشديد حتى تأتي المواصلات، فما كان منه إلا أنه جمع هو وأصدقاؤه المال واشترى سيارة قديمة وكان كل يوم يوصل هؤلاء العمال مجاناً رحمة بهم.
وفي الجامعة كان يخصص الجزء الأكبر من مصروفه لشراء الكتيبات الإسلامية ليقوم بتوزيعها على المساجد، وعندما حصل على منحة دراسية قدرها 42 دينارًا كان لا يأكل إلا وجبة واحدة وكان يستكثر على نفسه أن ينام على سرير رغم أن ثمنه لا يتجاوز دينارين، معتبراً ذلك نوعًا من الرفاهية، وأثناء دراساته العليا في الغرب كان يجمع من كل طالب مسلم دولارًا شهرياً ثم يقوم بطباعة الكتيبات ويقوم بتوصيلها إلى جنوب شرق آسيا وإفريقيا وغير ذلك من أعمال البر والتقوى، واستمرت معه عادته وحرصه على الوقوف إلى جانب المعوزين وأصحاب الحاجة، حينما شعر صاحبها بخطر المجاعة يهدد المسلمين في إفريقيا، وأدرك انتشار حملات التبشير التي تجتاح صفوف فقرائهم في أدغال القارة السوداء، وعلى إثر ذلك آثر أن يترك عمله الطبي طواعية، ليجسد مشروعاً خيرياً رائداً في مواجهة غول الفقر، واستقطب معه فريقاً من المتطوعين، الذين انخرطوا في تدشين هذا المشروع الإنساني، الذي تتمثل معالمه في مداواة المرضى، وتضميد جراح المنكوبين، ومواساة الفقراء والمحتاجين، والمسح على رأس اليتيم، وإطعام الجائعين، وإغاثة الملهوفين.
تحقق له الحلم
بدأ السميط من الصفر وكانت أمنيته أن يعمل بإفريقيا منذ أن كان بالثانوية، فقد كان يتمنى أن ينتهي من الطب ثم يذهب إلى هناك وتحقق له هذا الحلم بسبب تبرع إحدى المحسنات في الكويت زوجة جابر الأحمد الصباح أمير الكويت السابق، والتي طلبت من السميط أن يبني لها مسجدًا خارج الكويت وفي بلد محتاج، فبنى لها مسجدًا في جمهورية ملاوي في إفريقيا، وهناك رأى المبشرين الأوروبيين متمكنين بعملهم، وقد بنوا للسكّان عدّة كنائس، أما المساجد فإن وُجد أحدها يكون غالبًا صغير الحجم مبنيًا من القش يتعرض في بعض الأحيان لنهش الأبقار من شدة جوعها، والإمام لا يقرأ الفاتحة والناس عراة، وهناك أناس لا تلقى شيئاً تأكله, استمر هو وزوجته في جمهورية ملاوي ثم رحلا إلى أربعين دولة في إفريقيا وبنيا فيها المساجد والمراكز ودور الأيتام والمستوصفات.
لماذا إفريقيا؟!
كان سبب اهتمام السميط بإفريقيا هو دراسة ميدانية للجنة أكدت أن ملايين المسلمين في القارة السوداء لا يعرفون عن الإسلام إلا خرافات وأساطير لا أساس لها من الصحة، وكان السميط يركب السيارة لمده عشرين ساعة وأكثر حتى يصل إلى الأماكن النائية وأحياناً يكون سيراً على الأقدام في الوحل والمستنقعات.
تعرض للأذى هو وزوجته وأبنائه، ففي مرة من المرات مرَّ على ناس مجتمعين فجلس قريباً منهم من التعب الذي حلَّ به من طول السير وفوجئ بالناس واحدًا بعد واحد يأتي ويبصق على وجهه، وبعد ذلك اكتشف أن هناك محاكمة في القبيلة وممنوع على الغرباء أن يحضروا.
وفي مرة من المرات دخل مع زوجته إلى قبيلة من القبائل فتعجب الناس من ارتدائها للحجاب وكادوا أن يفتكوا بها لولا أنها انطلقت تجري إلى السيارة.
كان أكثر ما يؤثر في السميط إلى حد البكاء حينما يذهب إلى منطقة ويدخل بعض أبنائها في الإسلام ثم يصرخون ويبكون على آبائهم وأمهاتهم الذين ماتوا على غير الإسلام، وهم يسألون: أين أنتم يا مسلمون؟ ولماذا تأخرتم عنا كل هذه السنين؟ كانت هذه الكلمات تجعله يبكي بمرارة، ويشعر بجزء من المسؤولية تجاه هؤلاء الذين ماتوا على الكفر.
قطع السميط على نفسه العهد أن يمضي بقية عمره في الدعوة إلى الله هناك، كان كثيراً ما يتنقل براً وقد سافر بالقطار في أكثر من أربعين ساعة بفتات الخبز، ويقوم بالزيارات التي يقطع فيها الساعات بين طرق وعرة وغابات مظلمة مخيفة وأنهار موحشة في قوارب صغيرة ومستنقعات منتنة.
ترك الدنيا طمعًا بالآخرة
كان شغله الشاغل الدعوة إلى الله حتى في اللقمة التي يأكلها، فإذا وصل إلى قرية واجتمع أهلها قال لهم السميط «أموال الناس التي دفعوها لعمل الخير لا يمكن أن أفرط في ريال واحد منها».
إنه شخص ترك الدنيا وراءه وانطلق إلى الأمام في خدمة المسلمين في أنحاء العالم ضحى بشبابه وعمره من أجل الفقراء والضعفاء والمساكين وارتبط بهم وعاش معهم.
وصار معروفاً لدى الكثير من دول القارة السمراء، عاش فيها كداعية ومُرَبٍّ وأب للأيتام، عايش حالة الناس فيها وساهم في تخفيف معاناتهم. تعرض للإخطار حتى كاد أن يفقد حياته من أجل قلوب الضعفاء والمساكين لولا أن تتداركته رحمة من ربه بسب دعاء آلاف المساكين نجا وتمكن من العيش سنوات وسنوات رغم كل تلك المخاطر.
رسم أروع صور التضحية في العالم الإسلامي حتى استحق أن يلقب بأبو إفريقيا العربي، فهو أب برحمته وحنانه وعطفه على الضعفاء والمساكين وطبيب بارع في دراسته وعمله وداعية إلى الله، وإداري ناجح في مشاريعه وإدارته للمؤسسة العون المباشر لجنة مسلمي إفريقيا. رحمه الله ونسأل الله تعالى أن يهب للإنسانية رجالاً مثله وعلى خطاه...
كان السميط طبيباً إنسانيًا، عُرف عنه تفقده أحوال المرضى، في أجنحة مستشفى الصباح - أشهر مستشفيات الكويت - وسؤالهم عن ظروفهم وأحوالهم الأسرية والاجتماعية والاقتصادية، وسعيه في قضاء حوائجهم، وطمأنتهم على حالاتهم الصحية، بعد أن ينتهي من عمله المهني...
مشاركاته
شارك في تأسيس ورئاسة جمعية الأطباء المسلمين في الولايات المتحدة الأمريكية وكندا 1976 م، كما شارك في تأسيس فروع جمعية الطلبة المسلمين في مونتريال 1974- 1976 ولجنة مسلمي ملاوي في الكويت عام 1080 م واللجنة الكويتية المشتركة للإغاثة 1987م، وهو عضو مؤسس في الهيئة الخيرية الإسلامية العالمية، وعضو مؤسس في المجلس الإسلامي العالمي للدعوة والإغاثة، وعضو في جمعية النجاة الخيرية الكويتية، وعضو جمعية الهلال الأحمر الكويتي، ورئيس تحرير مجلة الكوثر المتخصصة في الشأن الإفريقي، وعضو مجلس أمناء منظمة الدعوة الإسلامية في السودان، وعضو مجلس أمناء جامعة العلوم والتكنولوجيا في اليمن، ورئيس مجلس إدارة كلية التربية في زنجبار ورئيس مجلس إدارة كلية الشريعة والدراسات الإسلامية في كينيا. ورئيس مركز دراسات العمل الخيري.
الأوسمة
نال عدداً من الأوسمة والجوائز والدروع والشهادات التقديرية مكافأة له على جهوده في الأعمال الخيرية، ومن أرفع هذه الجوائز جائزة الملك فيصل العالمية لخدمة الإسلام والتي تبرع بمكافآتها لتكون نواة للوقف التعليمي لأبناء إفريقيا ومن عائد هذا الوقف تلقت أعداد كبيرة من أبناء إفريقيا تعليمها في الجامعات.
وفاته غفر الله له
توفي الداعية الكويتي الدكتور عبدالرحمن السميط يوم الخميس 8 شوال 1434هـ عن عمر يناهز الـ66 عاماً بعد مُعاناة طويلة مع المرض وبعد إعلان وفاته أمر أمير الكويت صباح الأحمد بإطلاق اسمه على أحد شوارع الكويت تقديراً لأعماله الجليلة وخدماته المتميزة في العمل الخيري والإنساني وتخليداً لاسمه كما بعث ببرقية عزاء لأسرته.