«الجزيرة» - محمد العيدروس:
على الرغم من أنها أسعدت الكثيرين بعدالة تحققت، إلا أنها أبكت آخرين وحطمت فرحة مؤقتة لهم. تلك هي تقنية (الفار الـVAR) التي كانت ولازالت بمثابة الهاجس الذي يوقف قلوب المشجعين ويسمر أعينهم للحظات من القلق والترقب حتى يأتي الإعلان إما بإشاعة الفرحة واستمراريتها أو قتلها (كما يرى المنافسون الآخرون). «الجزيرة» فتحت ملف الـVAR وعين الصقر من عدة جوانب ورصدت آراء العديد من خبراء التحكيم على مستوى الوطن العربي، الذين كشفوا حقائق ومعلومات غابت عن الكثيرين. وأهمها هل يملك حكم الفار صلاحية تحديد الزوايا واللقطات؟ وهل هو من يتخذ القرار؟ ثم هل الحكم ملزم بقرارات (الفار)، وأخيراً من يتحمل تكاليف تقنية الفار؟.
الخبير التحكيمي عبدالرحمن الزيد
أكد الخبير التحكيمي السعودي عبدالرحمن الزيد أن حكم الفار ليس له علاقة إطلاقاً، لأن هناك فني مختص في اللقطات.. وينحصر دوره في إبلاغ الحكم بالخطأ.. وتعال لتراه.
وأضاف: حكم الفار لا علاقة له، فالذي أمامه لقطات فيديو من الناقل الرسمي عبر مجموعة من الكاميرات ولا يتحكمون في اختيار زوايا أو لقطات معينة.
وهنا يأتي الحكم ويشاهد اللقطات وقد يعيدها عدة مرات ويتأخر ثم يتخذ القرار الذي يراه بالاحتساب أو الإلغاء.
ويمضي الزيد قائلاً: حكم المباراة ليس ملزماً إطلاقاً بما يقدمه له حكام الفيديو أو «الفار» من اللقطات، فهو صاحب القرار النهائي أولاً وأخيراً وهو من يتخذ القرار. وهناك حالات عديدة لم يأخذ الحكام بما قدم إليهم من لقطات فيديو.
ويمنع منعاً باتاً أن يملي حكم الفار على حكم المباراة أي قرار إلا في حالة أن يسأله الحكم.. ماذا ترى أنت؟ وما رأيك؟! بهدف تأييد قراره.
ويضيف: تقنية الفار (في تصوري) أسهمت في تحقيق العدالة واتخاذ القرار الصحيح بنسبة 95% والتقليل من الأخطاء التي يرتكبها الحكام، وقد تكون هناك أخطاء تحدث إلا أنها بسيطة ولا تذكر وتعتمد على تقدير الحكم.
أما من يتحمل تكاليف وتجهيز تقنية الفار وحكام الفيديو فهم الاتحادات المحلية المعنية التي تقام بها المباراة أو الاتحاد الدولي (الفيفا) إذا كانت دولية، أو الاتحاد الآسيوي إذا كانت بطولة آسيوية وهكذا.
وهم من يتولى التجهيز وإعطاء الدورات ويدفع التكاليف المالية كون تقنية الفار تدار عن طريق شركة تقنية متخصصة.
الخبير جمال الغندور
الحكم المصري جمال الغندور أدلى برأيه في تقنية الفار، وقال: حكم الفيديو يبني رأيه على الزوايا واللقطات التي تأتي من الناقل التلفزيوني وهناك على الأقل 6 كاميرات في الملعب تعطي ست زوايا لحكم الفار.
وحكم الفيديو (الفار) لا يضع الزوايا أو اللقطات، فهي تأتي إليه من الناقل ويختار أفضلها التي توفر له مشاهدة تفاصيل اللعبة حتى يبني عليها قراره ثم يتم العمل مع الحكم على هذه الزاوية.
ويضيف الغندور: حكم الفار الـVAR يقوم بعملية المراجعة طوال الـ90 دقيقة على جميع أحداث المباراة. وعندما يكون القرار المتخذ في الملعب من حكم المباراة على اتفاق مع حكم الفيديو لا يتم التدخل، ولكن عندما يكون القرار خاطئاً من قبل حكم المباراة أو مختلفاً عليه، هنا يطلب من الحكم إيقاف المباراة ويبلغه بملاحظاته، وأن هناك أخطاء مع قراره، وهنا القرار لحكم المباراة الأساسي وهو أن يأخذ برأيه أو بمرئيات حكام الفيديو ويراجع اللقطات المعروضة عليه.
ويؤكد جمال الغندور أن تقنية الفار الـVAR رفعت كثيراً من حجم العدالة في المباريات، ففي الدوري المصري على سبيل المثال هناك حتى الآن 124 ركلة جزاء قام الحكم باحتسابها، وهو ما يؤكد أهمية الـVAR إلى جانب العديد من الأهداف الملغاة أو المحتسبة.
المحلل التحكيمي سمير عثمان
يقول المحلل التحكيمي المصري سمير عثمان: إن هناك أخطاء لا زالت قائمة في العديد من المباريات، كما أن هناك عدالة حدثت فعلاً في احتساب ركلات جزاء بفضل تقنية (الفار)، ويجب علينا تحليل الإيجابيات والسلبيات قبل الحكم الفعلي على مصداقية تقنية الفار، وإن كنت أرى شخصيا أنها ناجحة بنسبة 70 %.
نائب رئيس لجنة الحكام
ويؤكد نائب رئيس لجنة الحكام في الاتحاد السعودي لكرة القدم أن تقنية الفار وضعت للتقليل من الأخطاء وليس إلغاءها تماماً، باعتبار أن كرة القدم في مجملها أخطاء تراكمية بدءاً من المدربين إلى الحكام إلى اللاعبين.
ويضيف: نحن نناقش ونجتمع مع حكامنا باستمرار ونبين لهم الأخطاء التي وقعوا فيها بهدف تطوير اللعبة.. وعلينا ان نعترف بالأخطاء.
ويشير الخبير يوسف ميرزا: ما لا يعرفه الكثيرون أن جميع لقطات الفيديو أو (الفار) يتم إرسالها للاتحاد الدولي لكرة القدم بهدف تقييم التجربة والكيفية التي تم تطبيقها من الاتحادات المحلية، ويتم هناك تواصل وتفاعل.
فودة.. يوجد نظام وقواعد
ويؤكد الخبير والمستشار التحكيمي محمد فودة أن هناك نظاماً وقواعد حول تقنية الفار ومساعدة الحكم بالفيديو، مشيراً إلى أن العملية في مجملها تخضع لأنظمة وضوابط تحدد المسؤوليات والمهام وليست اجتهادات. كما أنه لا يسمح باعتماد حكام مساعدين بالفيديو الـ(VAR) إلا عندما يكون منظم المباراة قد استوفى جميع متطلبات برنامج المساعدة والمصادقة على الإرساء كما هو منصوص عليه في وثائق الفيفا الخاصة بهذا البرنامج.
وقال إن المحاور الأساسية لحكم الفيديو تتمثل في قرارات:
- تسجيل هدف من عدمه.
- ركلة جزاء من عدمها.
- إظهار بطاقة حمراء مباشرة (ليس الإنذار الثاني).
- خطأ في تحديد الهوية، عندما ينذر أو يطرد الحكم عن طريق الخطأ لاعب الفريق المخالف.
ما هي تقنية الفار VAR؟
VAR هي اختصار لـ»Video Assistant Referees» وتعني «حكم مساعد بالفيديو»، وهي عبارة عن فريق متخصص مكوّن من ثلاثة حكّام يقومون بمتابعة سير أحداث المباراة في غرفة عن بعد، وإعادة بعض لقطات الفيديو للأحداث المشكوك بأمرها، خاصةً إن كان هناك مخالفة بحق لاعب بكرت أصفر أو أحمر مع وجود حالة شك، لضمان اتّخاذ القرار الصحيح في هذه الحالات.
فريق حكم الفار
فريق حكم VAR يتألف من ثلاثة حكّام، حكم حالي أو سابق وهو بمثابة حكم الفيديو الرئيسي AVAR، وهو المسؤول عن الكاميرا الرئيسية ويُحافظ على معلومات البث المباشر إن تم فحص أو مراجعة واقعة مشكوك بأمرها.
مساعد حكم منطقة التسلل AVAR2، ويقوم بمراجعة القرارات التي يتخذّها الحكم في حالة التسلل.
أما الحكم الثالث فوظيفته الاهتمام ببرنامج التلفزيون وضمان التواصل الجيد بين AVAR وAVAR2 في منطقة التسلل.
هذا الفريق يتواجد في غرفة تضم العديد من الشاشات التي تعرض أحداث المباراة من زاويا مختلفة وعديدة.
ما الحالات التي يؤخذ فيها برأي حكم VAR؟
هناك أربع حالات يُرجع فيها إلى حكم الفيديو لاستيضاح الأمر. هذه الحالات هي:
* الأهداف: مراجعة الأهداف التي يُحرزها اللاعبون بغض النظر عن وجود شبهة خطأ أو لا.
* ركلات الجزاء: يُراجعها حكم الفيديو أو يُمكن أن يُراجعها حكم المباراة بنفسه إن كانت واضحة للعين.
* البطاقات الحمراء: يتم مراجعة الهجمات العنيفة بين اللاعبين التي قد تتطلّب إعطاء كرت أحمر بشكلٍ تلقائي من حكم الفار. أما البطاقات الصفراء للمرة الثانية التي تعني طرد اللاعب من الملعب فلا يتم مراجعتها.
* عدم وضوح الهوية: كمنح بطاقات حمراء أو صفراء للاعبين غير اللذين قاموا بالخطأ الرئيسي.
ويتم الرجوع إلى الفيديو أو حكم الفار إن قام حكم المباراة بإعطاء الأمر بذلك. ويُعرف ذلك بعلامة مميّزة يقوم بها الحكم وهي الإشارة بيده على شكل مستطيل. ولا يُمكن الرجوع إلى حكم الفار إلا بصدور هذه الإشارة من الحكم.
** **
ما لا تعرفه عن الـ(VAR)
* اختيرت تقنية الـ(VAR) لأول مرة في الدوري الهولندي خلال الموسم 2012 ثم تواصلت التجارب.
* يصنف الحكم اليمني أحمد الأغيري أنه أول مكتشف لهذه التقنية حينما استخدمها بطريقة عفوية جداً لمباراة كروية جمعت بين فريقي التلال والصقر ضمن مسابقة الدوري اليمني عام 2006م.
ويقال إن هذا الحكم أراد مشاهدة إعادة لقطة تلفزيونية لمعرفة هل دخلت الكرة المرمى بشكل طبيعي أم مرت بمحاذاة القائم الأيمن من الخلف.
* تتم عملية مراجعة القرار بطريقتين: الأولى أن يطلب من الحكم التأكد من قراره، والثانية أن يقوم فريق الفار بالتحدث مع الحكم عن طريق سماعات الأذن، وتوصيته باتخاذ قرار ما إذا لاحظ حكم الفيديو وجود خطأ واضح لم يلحظه حكم الساحة.
* هناك 3 خيارات للحكم عند استخدام هذه التقنية: الأولى أن يستمع لنصيحة فريق الفيديو ويلغي قراره، والثانية أن يذهب بنفسه لخط التماس ومشاهدة الإعادة للتحقق من الواقعة.، والثالثة أن يتمسك بقراره ولا يستجيب للفار.
* يتكون فريق «الفار» من حكم حالي أو سابق، ويكون هو حكم الفيديو الرئيسي، ومساعد له، ومشغل إعدادات، ويتواجد (الثلاثة) في غرفة عمليات الفيديو التي تتواجد بها مجموعة شاشات تعرض الحدث من عدة زوايا مختلفة.
إيجابيات وسلبيات تقنية الفار
ينظر العديد من اللاعبين، والمسؤولين إلى هذا النظام على أنه إيجابي، بينما يعتبره العديد من المحترفين جانباً سلبياً لكرة القدم.
الإيجابيات
يحصل الحكّام على فرصة ثانية عند استخدام تقنية الفار للحُكم على حادثة ما بشكل مثالي، ثم يتوصلون إلى نتيجة جيدة، وهذا أمر عادل بما فيه الكفاية؛ لأن الحكّام بشر، ويمكنهم تفويت أي حادث، أو اتخاذ قرار خاطئ أثناء المباراة.
تضيف عنصر التشويق، والإثارة لدى مشجعي المباراة، عند انتظارهم النتيجة النهائية التي يتم الإفصاح عنها من خلال مكالمة بين حكَم الفيديو المساعد، والحكَم الموجود على أرض الملعب.
القرارات التي تم اتخاذها من قِبل الحكّام، والتي غيرت منظور اللعبة تماماً، غالباً ما يتم تذكّرها، وعدم نسيان المباراة التي اتُخذ فيها مثل هذه القرارات.
السلبيات
الجانب السلبي الأكبر في النظام هو جانب الوقت، حيث يستغرق حكَم الفيديو المساعد وقتاً طويلاً لتصحيح حادثة ما، وعادةً ما يتم تعليق المباراة لحين انتهائه من تصحيح هذه الحادثة، مما يُشكِّل إزعاجاً، أو يكسر لحظات الإثارة بعض الشيء.
عدم تنفيذ بعض الاتحادات الكرويه لتقنية الفار.
محاولة اللاعبين بإقناع الحكّام من خلال توجيههم لتحقق من كل حادثة صغيرة، ولكن القواعد لا تنص على ذلك، فتقنية الفار تستخدم فقط عند حدوث خطأ، واضح.
الأخطاء التحكيمية سبب تطبيق الـVAR
طبقت تقنية حكم الفار VAR لأول مرة في التاريخ خلال مونديال روسيا لكأس العالم عام 2018، وأثارت جدلًا كبيرًا وانتقادات بسبب بعض الأحداث التي شهدتها المباريات بعد الاعتماد على تقنية VAR.
وجاء التطبيق بسبب أخطاء التحكيم المتكررة في المباريات التي كلّفت بعض الفِرق خسارة كان بالإمكان تفاديها، لقرر الاتحاد الدولي لكرة القدم «FIFA» الاستجابة إلى المطالب المنادية باستخدام تقنيات حديثة يعتمد عليها الحكم في اتخاذ قرارات حاسة ومصيرية. كما استخدمت تقنية حكم الفار VAR لأول مرة في عام 2017 خلال كأس القارات، ثم الدوري الإيطالي والدوري الألماني.
قرار الفيفا في تطوير تقنية VAR جاء بعد عدة تجارب في توظيف التكنولوجيا في التحكيم بالملاعب. من هذه التقنيات الأخرى: تقنية خط المرمى والكرة الذكية، واللتان بدورهما نالتا انتقادات كبيرة من قِبل القائمين على قوانين كرة القدم.
هذه التقنية المتطوّرة هدفت إلى القضاء على الجدل المتواصل بخصوص قرارات التحكيم وأخطائه. عبر توظيف التكنولوجيا والكاميرات الحديثة في تسجيل لقطات مهمة في المباريات، ثم مراجعتها لضمان اتّخاذ الحكم للقرار الصحيح.