د.شامان حامد
كلما تعثرت عملية توزيع اللقاحات العالمية، زاد الضرر طويل المدى الذي يلحق نظاماً دولياً مرهقاً بالفعل، منذ 80 عاماً، ليتطلب هذا اللغز العميق المزيد من الفحص والبحث والتمحيص، حتى أنه يمكننا وصف طبيعة ذلك التناقض حول (الكمامة)، ورغبة الكثيرين في الالتزام بأدنى درجات الحيطة والحذر. يقابلهم تردد الجميع فيمن يتحرك أولاً. ليكرر مشهداً في أوربا خاصة بالشركات، وبالتالي الأفراد سواء بسواء؛ ليتجه أغلب الناس إلى وضع مُزري دون الشعور بالمسؤولية في صورة غير منطقية على الإطلاق من السلوكيات في خضم الأزمة الراهنة، لتكون حاجتنا إلى حالة من التوازن الجديد مع الإقلال من ارتداء الكمامات الواقية، ومن حسن الحظ أن هناك العديد من الحكومات تأخذ تلك المسؤوليات على محمل الجدية، وأخرى غير المعنية بردود فعل المُستهلكين؛ الذي يجب عليهم سداد المستحقات الضريبية بصرف النظر تماماً عن كل شيء.
ونظراً إلى عدم قدرة المرء على استبدال شيء ما بلا شيء، فقد كانت النتيجة تطوراً بطيئاً لكنه ثابت لنوع من النظام الهجين. لتبدأ الحكومة الإيطالية بعدم إلزام السكان بوضع الكمامات في الأماكن المفتوحة، وحكومة بعض الولايات الأمريكية مثل ولاية فيرجينيا، حيث لم تلتزم المتاجر، والمحلات، والمطاعم، رغم إعلانها على الأبواب بارتداء الكمامات الواقية، لكن مع استثناءات للأشخاص الذين يتناولون الطعام والشراب في الداخل.. وهو ما بات الأمر معضلة لأنصار الليبرالية واعتبروها أداة من أدوات الإكراه والقسر الحكومي، ثُم بريطانيا أكثر المتضررين من كوفيد 19 .
ولا يفوتنا هنا أن المركز الأوروبي للوقاية من الأمراض يتوقع أن تسبب متحورة «دلتا» 70 % من الإصابات الجديدة في الاتحاد الأوروبي بحلول مطلع أغسطس، و 90 % بنهاية الشهر نفسه، وفي الولايات المتحدة، ارتفعت الحالات الإيجابية من 10 % في 5 يونيو إلى 35 % الأسبوع الماضي. وسُجلت نسبة مماثلة في إسرائيل، رغم أن هذه المتحورة أكثر عدوى من متحورة «ألفا» التي رُصدت في إنجلترا بنسبة 40 % إلى 60 %، حيث يرى فريق من الباحثين الفرنسيين أن نسبة تسارع انتقال العدوى لهذه المتحورة بين 50 % و 80 %، ليخرج تحذير المركز الأوروبي من «أي تراخ خلال فصل الصيف للتدابير غير الطبية التي كانت مطبقة مطلع يونيو».
وبسبب هذه التطورات، ضعفت العملية الشاملة للتلقيح العالمي وبالتالي الاقتصاد العالمي، مع عواقب وخيمة على الجميع نظراً إلى تفكك النظام الدولي. وكلما طال تأخر التلقيح في أجزاء كثيرة من العالم النامي، زاد الضغط على الدول التي تم تلقيح سكانها لتبني عقلية التحصين غير الفاعلة في مناعة القطيع للآن.. وعليه يجب تحقيق نوع من النمو العالمي المتزامن والمطلوب لتحسين أداء الدول الفردية، واتخاذ ثقافة توعوية قوية، مع قدر أقل من حرية التعبير العامة، وجعل الثقة سلعة ثمينة يجب استعادتها من الأنانية وإبعادها عن المصالح الشخصية، لتكون في الإطار العام الإنساني على الرغم من أن النظام الدولي الحالي أبعد ما يكون عن الكمال، مع حماية أكبر من الناحية القانونية ومعايير أوفر من زاوية حرية التعبير.. ليبقى رهان دول العالم الغنية على توسيع تغطيتها اللقاحية لمحاصرة الانتشار الجديد لإصابات «كورونا»، وتجنب تكرار سيناريوهات الخريف والشتاء الماضيين.