د.شريف بن محمد الأتربي
على مدار العقود والسنوات الماضية، ظل موضوع المهارات التي ترتبط بالمقررات الدراسية، يشغل حيزاً كبيراً من تفكير التربويين وحوارهم، حيث يرى البعض أن كل مقرر من المقررات الدراسية يشتمل على مجموعة من المهارات التي تنتقل تلقائياً للطالب خلال العملية التعليمية ولا تحتاج إلى فصلها عن محتوى المقرر، حيث إن أهداف المقرر أو الوحدة التعليمية أو الدرس لن تتحقق ما لم تتحقق هذه المهارات لدى الطلبة. بينما يرى البعض الآخر ضرورة فصل المهارات المتضمنة داخل المقرر الدراسي عن المقرر نفسه وحصرها وتعدادها بحيث يكون تقييم الطالب مرتبطاًَ بالمعارف والمهارات المنشود تحقيقها بانتهاء المقرر أو الوحدة أو الدرس.
ومع التوجه نحو التعليم الإلكتروني سواء المتزامن أو غير المتزامن، وأيضا التعليم المدمج؛ عادت إلى الواجهة قضية المهارات، وزاد عليها توجه وزارة التعليم إلى إدراج مقررات دراسية جديدة تهتم بالمهارات فقط من حيث التعريف بها وكيفية استخدامها، وخاصة مهارات القرن الـ21، وبالأخص مهارة التفكير الناقد، وهنا تبرز أهمية هذا المقال: هل نكتفي بالمهارات المدمجة في المقرر؟ أم نفرد للمهارات مقررات خاصة بها؟
والمقرر الدراسي، هو البرنامج الذي أقرته الوزارة. أكد الأستاذ أن أسئلة الامتحان ستكون في المقرر لا في المدروس. حسب تعريف معجم المعاني الجامع.
والمقرر الدراسي هو: «نظام يتفاعل فيه كل من المعلم والمتعلم والمواد التعليمية». وهو كيان كيانات المنهج، ويأخذ بجانب من جوانبه؛ هو جانب المواد التعليمية، والارتباط بحجرات وأماكن الدراسة، حيث إنه نظام تفاعل ثلاثي العلاقة يشمل كل من المعلم والمتعلم والمواد التعليمية.
كما يعرف المقرر بأنه منظومة تعليمية تتكون من عدد من الوحدات التعليمية محددة الأهداف، والمحتوى، والمصادر التعليمية، ويمكن تعليمه بطرق شتى في مدة دراسية محددة لنوعية من المتعلمين، ويمكن أن يكون ضمن برنامج تعليمي أو جزء من منهج دراسي.
إن التصميم الجيد لأي مقرر دراسي يبدأ أولا بتحديد المخرج أو المخرجات التعليمية المنتظر تحقيقها في نهاية المقرر. وتختلف هذه المخرجات حسب التخصص، وحسب مستويات الطلبة أنفسهم، وكذلك حسب المعارف والمهارات المراد قياسها كمخرجات.
وقد أعلنت وزارة التعليم منذ فترة عن خطتها للعام الدراسي المقبل؛ سواء الخطة الزمنية، أو الخطة التطويرية للمقررات الدراسية، سواء الموجودة فعليا، أو تلك المقررات التي ترى الوزارة حاجة العملية التعليمية لها لتوائم متطلبات العمل ومهارات الموظفين في المستقبل، وتتفق مع ما أشارت إليه الدراسات الخاصة بالوظائف المستقبلية، ومهارات القرن الـ21.
وتشير المهارة إلى قدرة الشخص وخبرته في أداء مهمّة معيّنة، حيث تأتي هذه القدرة من خلال التعلّم الممنهج والممارسة والتمرين المستمريّن. إنها باختصار نتيجة المثابرة وبذل الجهد للتحسّن والتطوّر في مجال معيّن. تمتد المهارة لتشمل مختلف المجالات الحياتية، سواءً في المسارات الأكاديمية والمهنية، والحياتية، حيث نجد مهارات الكتابة، الاستماع والاستيعاب، مهارات التواصل، مهارات العمل مع الفريق ومهارات القيادة وغيرها.
باختصار، القدرة على القيام بأي شيء على أكمل وجه في أسرع وقت وأقل جهد هو مهارة مكتسبة. ونظرًا لسعة مجالاتها، وعدم وجود أيّ معايير أو شروط لامتلاكها فهي قابلة للاكتساب من قبل الجميع دون استثناء، لكنها مع ذلك تتطّلب الكثير من العمل الشاق والوقت لتطويرها.
ويمكن التسريع في دمج المهارة وتحويلها كسلوك للمتعلم؛ حين تكون المهارة موهبة أصلية لدى المتعلم، مما يلقي الضوء على أهمية استكشاف المواهب لدى البناء مبكرا وصقلها من خلال التعليم والتدريب لتصبح مهارة أصيلة مبنية على معرفة.
ومن المهارات التي تعتزم وزارة التعليم تدريسها للطلبة؛ مهارة التفكير الناقد (Critical thinking)، وهو عبارة عن وسيلةٍ من الوسائل التي تُستخدم في تقديم الحلول، والأفكار للمسائل، والمشكلات المعقدة، أو تلك التي تحتاج إلى استخدام العديد من الأدوات التي تساعد في الوصول إلى النتائج المطلوبة. وهو التفكير الذي يعتمد على صياغةِ مجموعةٍ من القواعد المنطقية، والتي تُساعد في تحليل الفرضيات، ودراسة المُعطيات المرتبطة بها من أجل اتّخاذ القرار المناسب، والذي يُسهم في حلّ المشكلة.
ويرتبط التفكير الناقد بمجموعةٍ من مهارات التفكير الأخرى منها: مهارة الاستنتاج: هو القدرة على الوصول إلى نتائج مقترحة، ومن الممكن الاختيار بينها باعتبارها مجموعةً من البدائل التي تساعد على حل المشكلة. مهارة التفسير: هو مهارة توضيح طبيعة المشكلة، وتحليلها بطريقة مبسطة حتى يسهل فهمها سواءً من قبل الشخص المرتبط فيها مباشرةً، أو الأشخاص الآخرين الذين يسهمون في حلها. مهارة الاستدلال: هي مهارة البحث عن كافة الدلائل التي تساعد على ربط مكونات المشكلة مع بعضها البعض، وقد تكون هذه الدلائل حقيقة كالأوراق، والوثائق، أو رقمية كالمستندات المحفوظة في جهاز الحاسوب. وأخيراً مهارة التقويم: هو التأكّد من مدى نجاح التفكير الناقد من الوصول إلى الحل النهائي، والوحيد للمشكلة، أو المسألة المعقدة، ومع الحرص على متابعة طريقة تطبيقه.
ومع هذا التوجه من الوزارة نحو تدريس المهارات كمقررات منفصلة؛ يمكن القول إن التركيز على التعريف بالمهارة وأهميتها، وأسس استخدامها، والنتائج المرجوة منها؛ ينبغي أن يترادف مع التطبيق العملي المرتبط بالمحتويات الدراسية التي تعرض للطلبة خلال العملية التعليمية، سواء كانت هذه العملية تتم حاليا، أو تلك التي سيخضع لها الطالب مسبقا. كما التعامل مع المهارة وإكسابها للطلبة يجب أن يتفق مع المستويات التعليمية والعمرية لهؤلاء الطلبة، وأن يكون التقييم لهذه المهارة ليس مبنيا على اختبارات، بقدر ما هو مبني على تطبيقات، سواء من خلال المشاريع أو المنتجات الفردية، أو تلك التي تتطلب العمل الجماعي.
ومن الأفكار المطروحة مثلا لطلبة المرحلة الابتدائية -والتي يتقن أغلب طلابها مهارات التعامل مع الألعاب الإلكترونية- أن يقوم الطالب بدراسة محتويات لعبة ما وتقديم وجهة نظره فيها مبنية على أسس مقارنة واضحة؛ سواء وضعها المعلم نفسه، أو تبناها الطالب. كما يمكن أيضا أن يقوم الطالب بتطوير لعبة ما لحل مشكلة تُطرح عليه من قبل المعلم، أو هو نفسه يرى هذه المشكلة ويرغب في تقديم حل لها.
أما طلاب المرحلة المتوسطة والثانوية، فاستراتيجية العمل بالمشروع تعد أقرب الاستراتيجيات تحقيقاً لهدف الوزارة باكساب الطلبة مهارات تفكير متعددة، حيث يجمع العمل في المشروع بين ميزات عدة، سواء ما يتعلق منها بالعمل الجماعي والتعاون، أو ما يتعلق بمهارات التفكير.
لا شك أن ما ستقدم عليه الوزارة من تطوير وتحديث المقررات هدفه الوصول بالتعليم في المملكة إلى أعلى مستوى ولن أقول إلى مصاف الدول الكبرى لأننا دولة كبيرة فعلا وأن تجاربنا في التعليم تُنقل حاليا للغير للاستفادة منها، وأتمنى فقط أن يكون تطبيق هذه الخطة مترادفا مع إعادة تأهيل المجتمع التربوي لتؤتي هذه الخطة ثمارها، خاصة مع تجربة سابقة لي في نظام المقررات لمادة المكتبة والبحث حين كنا ندرس وحدة مهارات التفكير لطلاب الصف الثاني الثانوي علوم إدارية، وكانت من أجمل الوحدات بالنسبة للطلبة، لنفاجئ في العام الذي يليه بحذف الوحدة من المقرر بدون إبداء أي أسباب، لنعود من البداية إلى عنوان المقال: مهارات المقرر، أم مقرر المهارات؟