محمد سليمان العنقري
أطلق قبل أيام قليلة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان الإستراتيجية الوطنية للنقل والخدمات اللوجستية، وهي إحدى برامج رؤية 2030 م والتي تهدف للتنشيط والارتقاء بأحد أهم القطاعات بالاقتصادات عمومًا، فهو يعدُّ ممكناً للاقتصاد بمختلف قطاعاته، فبدونه لا يمكن الوصول للمستهلك، وما تضمنته الإستراتيجية بُني على إمكانيات ضخمة تمتلكها المملكة بداية من الموقع الجغرافي وصولاً للبنية التحتية القوية التي تمثل قاعدة انطلاق نحو بناء قطاع تنافسي على المستوى العالمي، ويكون من بين الكبار بمختلف الخدمات التي تقدم للمنتفعين بالاقتصاد الوطني والمنطقة، ففرص التوسع بهذا القطاع واعدة بل يعدُّ من الأسرع والأكبر نموًا في العقود الأربعة الماضية عالمياً.
فحجم هذا القطاع دولياً يقارب التريليون دولار على أقل تقدير وفق إحصاءات غير رسمية، فلا يمكن أن تصل المنتجات للمستهلكين دون نقل وشحن وتخزين وتغليف والعديد من الخدمات، فالاهتمام بهذه الأنشطة لعب دوراً مهماً لنهوض اقتصادات دول شرق آسيا وخصوصاً نشاط النقل. وبالعودة للإمكانيات المتاحة بالمملكة لكي تتحقق أهداف الإستراتيجية فإن ما بُني بالاقتصاد الوطني يعزز القدرة للوصول لأهداف الإستراتيجية مع ما سيضاف من مشاريع، فحالياً يوجد تسعة موانئ موزعة على شاطئي المملكة الغربي على البحر الأحمر والشرقي على الخليج العربي بالإضافة لشبكة طرق برية تصل إلى حوالي مائة ألف كيلو، وكذلك 27 مطارًا منها ستة دولية مع شبكة قطارات بأطوال تصل إلى 5300 كم، لكن الانتقال من واقع هذا القطاع الذي يمثل حالياً حوالي ستة بالمئة من الناتج المحلي ليصل إلى عشرة بالمائة مستقبلاً يتطلب بكل تأكيد التوسع بحجم المرافق ورفع جودة وكفاءة المنشآت والمرافق القائمة، فكون المملكة تهدف في رؤيتها لأن تكون مركزًا رئيسياً بالعالم بالخدمات اللوجستية والنقل، فإن ذلك يتحقق بعد أن ترسم إسنراتيجية قابلة للتنفيذ، وهو ما استندت عليه الإستراتيجية المعلنة كخارطة طريق واضحة المعالم.
فبخلاف البنية التحتية فإن إصدار الأنظمة والتشريعات للتوسع بالقطاع وجذب الاستثمارات المحلية والأجنبية يعدُّ أحد الركائز الأساسية لنجاح الإستراتيجية مع ما سيضاف من بنى تحتية مثل زيادة الأطوال في شبكة القطارات، وسيكون الجسر البري الذي يربط شرق المملكة بغربها أحد أهم المشاريع بطول يصل إلى 1300 كم، والتحول بالطرق البرية لتكون بمواصفات أفضل مما هو قائم حالياً رغم أن شبكة الطرق البرية تتميز بتغطيتها لكل مدن المملكة وبمواصفات متقدمة، لكن يبدو الهدف الانتقال لمعايير بالجودة أكثر تقدماً، فربط كل مرافق قطاعات النقل ببعضها لتتكامل الخدمات هو ما سيعزز موقع المملكة التنافسي بالخدمات اللوجستية لتخدم جانباً مهماً من النشاط الاقتصادي المحلي والعالمي خصوصاً الربط بين القارات الثلاث أوروبا وآسيا وإفريقيا، فحجم التجارة التي تمر من خلال البحر الأحمر تمثل 13 بالمائة من حجم التجارة الدولية التي يتخطى حجمها 23 تريليون دولار أميريكي، ولكن بكل تأكيد أن إطلاق مثل هذا الكم الهائل من المشاريع وكذلك تهيئة البيئة الصحية لنمو القطاع سيفتح المجال أمام فرص استثمارية كبيرة ونوعية بكل الأنشطة تحت هذه الإستراتيجية بداية من الحاجة لشركات نقل وكذلك الشحن الذي كلما كان سريعاً ودقيقاً فإنه يوفر الكثير على التجار بوصول بضائعهم للسوق بتكاليف أقل وهو ما يعني الحاجة لشركات وخدمات شحن متقدمة تستفيد من البنية التحتية الرقمية بالمملكة، وكذلك المرافق العامة من طرق ومطارات وموانئ يضاف لتلك الفرص الكثير بأنشطة التغليف والتخزين، وهو ما سيوفر عددًا كبيرًا جداً من الوظائف التي يغلب عليها الاستدامة.
هذه الإستراتيجية أعطت التصور الكامل للمستثمر أين تكمن الفرص بالاقتصاد الوطني، وما سيصدر من إيضاحات وتفاصيل مستقبلاً حول تفاصيلها سيحدد أكثر للمستثمرين نوعية الفرص التي ستولد بهذا القطاع الحيوي الذي يعد الشريان الخفي المغذي لكل قطاعات الاقتصاد خصوصاً أن التهوض به سيخدم المنطقة بالكامل، التي يتوقع أن يضخ بها مبالغ ضخمة في إعادة الإعمار والتطوير للكثير من الدول التي مرت بظروف داخلية صعبة عطلت تنميتها كالعراق واليمن وغيرهما، ولذلك لابد من النظر لكل تلك الأيعاد برفع المنفعة للاقتصاد الوطني الأكبر والأقوى عربياً والاستعداد المبكر للفرص القادمة للشرق الأوسط عموماً.