د.شريف بن محمد الأتربي
يعاني أصحاب الأعمال عند شروعهم في استقطاب كفاءات متميزة للعمل في شركاتهم أو مؤسساتهم؛ حيث يهدف هؤلاء إلى الحصول على خدمات أصحاب العلم والمعرفة الممزوجين بالممارسة المهنية، والتي تظهر على صورة احترافية العمل. بينما تكتفي الجهات الحكومية المناط بها تعيين الخريجين الجدد بشروط الترسيم في الوظيفة بأن يكون الوصف الوظيفي منطبقاً مع التخصص الذي حصل عليه المترسم، ومن ثم تبدأ مرحلة الثقل والاحترافية، والتي تزداد بتراكم السنون والخبرات.
وقد ورد مصطلح المعرفة في العديد من المعاجم والقواميس اللغوية، حيث ذكر مفهوم المعرفة Knowledge في قاموس المعاني، بأنها إدراك الشيء على ما هو عليه، وهي حصيلة التعلّم على فترة طويلة من الزمن والتي تشكّلت عبر العصور، كما أنها العلم والاطلاع، وجمعها معارف. فيما عرّف قاموس كامبريدج Cambridge Dictionary المعرفة بأنها، الفهم أو امتلاك معلومات متعلقة بموضوعٍ ما والقادمة عبر الخبرة أو الدراسة التي توجد بذهن شخص واحد أو يمتلكها الناس بشكل عام، أو هي حالة المعرفة أو العلم بشيء ما أو كونه مألوفًا.
والمعرفة اصطلاحًا، هي المعلومات المنظمة والمقيمة التي تمتاز بأنها صحيحة، ومبررة، وبالإمكان تصديقها. أو الفهم الدقيق لموضوع ما قد يكون مفيدًا لغرض استعماله لهدفٍ معين، وقد جاء هذا التعريف للتفرقة بين مفهومي المعرفة والرأي.
والمعرفة هي: مفهوم شامل وعام بكل ما يحيط بالإنسان من أحكام وتصورات ومفاهيم ومعتقدات في مختلف مجالات النشاط الإنساني. وهي أيضاً: ذلك الرصيد الهائل من المعارف والعلوم والمعلومات التي اكتسبها الإنسان خلال مسيرته الطويلة بحواسه وفكره وعقله. وعليه تشمل المعرفة مجموع المعارف الروحية، الاقتصادية، السياسية، الثقافية والعلمية في الوقت نفسه.
أما العلم، فهو مشتق من عَلِمَ، وهو أصل مدلوله على ما يتركه من أثر على الأشياء وذلك ليتفرّد به عما سواه ومنه العلامة، والعلم نقيض الجهل. وهو دراسة بحث في موضوع محدد من الظواهر لبيان حقيقتها وعناصرها ونشأتها وتطورها ووظائفها والعلاقات التي تربط بعضها ببعض، والتي تربطها بغيرها، وكشف القوانين الخاضعة لها في مختلف نواحيها. وهو نوع من المعارف تتسم بالوحدة والتكامل والنسقية. وهو المعرفة المصنفة التي تم الوصول إليها باتباع قواعد المنهج العلمي الصحيح مصاغة في قوانين عامة للظواهر الفردية المتفرقة. والمعرفة أشمل وأوسع من العلم، إذ يبقى العلم يقوم على دراسة وتحليل الظواهر، وهو جزء من المعرفة. فإذا استطاع الإنسان في مجال معين وتخصص دقيق أن يحدد ذلك المجال المعرفي بدقة ويقوم بالتجارب العلمية، ويصل إلى نتائج دقيقة فيما يتعلق بذلك الجانب المعرفي فإنه في هذه الحالة تصبح تلك المعرفة علماً قائماً بذاته.
أما الممارسة praxis، فهي تعني المداومة وكثرة الاشتغال بالشيء. وقد استخدم المصطلح للدلالة على النشاط المستمر الذي توضع من خلاله مبادئ العلوم موضع التطبيق، ومنه قولهم: ممارسة الطب، وممارسة الغناء، وممارسة السياسة، كما تستخدم للدراسة على المداومة في النشاطات العقلية، كأن يقال ممارسة التفكير، وممارسة التأمل، وغيرها، ولكنها بصورة عامة أكثر مرادفة للنشاط العملي activité pratique، ومنها جاء تعبير ممارسة praxis المشتق من اليونانية أيضاً، ويراد منه أن يكون مقابلاً للعلم النظري والتأمل.
أما أفضل الممارسات «Best Practices»، فهي مجموعة المعايير التي توحد طريقة العمل الأكثر فعالية في سبيل تحقيق النتائج المرجوة. وهي أسلوب أو إجراء أو عملية عند تكرارها بنفس الطريقة والأدوات تظهر فروقات واضحة عن الأساليب أو الإجراءات أو الوسائل الأخرى، وتعد عند ذلك مرجعاً للعمل، بل ويتم استخدامها كمعيار لقياس الأداء، مع مراعاة شروط الجودة في التطبيق.
والمهنية، تشير إلى سلوك الفرد في العمل، ومدى قدرته على التعاون مع زملائه لنقل الخبرات، وكذلك قدرته على إضفاء جو من الراحة في مكان العمل بما يكسبه من قدرات على تقديم أفضل الممارسات، ويمكن أن يشار إليها على أنها احترافية العمل مهما كان بسيطاً.
أما الممارسة المهنية، فهي ترتبط باكتساب الخبرات؛ فالممارسة لازمة لاكتساب المهارة وينبغي أن تتمَّ الممارسة بصورة طبيعية وفي مواقف حياتية متنوعة لضمان تحقيق أعلى فائدة للمُمارس.
وحين يختلط العلم والمعرفة بالممارسة المهنية المستمرة نستطيع القول إننا أمام عنصر بشري يستطيع العمل باحترافية، مبنية على قواعد متينة، مسلحة بالعلم والمعرفة، وهذا غالباً ما ينقص سوق العمل. ولا أظن أن عامل السن الآن أصبح هو فقط الدليل على احترافية الموظف وقدرته، بل هنالك الكثيرون من الشباب الذي عمل على تطوير ذاته خلال مراحل دراسته، بحيث أصبح الحصول على شهادة المؤهل هو فقط واحد من متطلبات استكمال الملف الوظيفي المليء بالخبرات والممارسات. ويمكن لكثير من الجامعات والمؤسسات التعليمية- حتى في التعليم العام- أن تعمل على إكساب طلابها خبرات وممارسات مهنية، ولكن حذار أن تكون وهمية، أو تكون مجرد شراكات لرفع أسهم هذه المؤسسات في التصنيفات المتعلقة بها، وإنما يجب أن تكون الممارسة فعلية وقائمة ويا حبذا لو اقترنت بعنصر تقييم علمي وممنهج.