ثلجٍ على «السوده» نهارٍ من الصيف
كن ايتكسّر فيه سكّر نباتي
- «خلف بن هذال»
العلاقة الأزلية بين النجوم والشعر الفصيح وصنوه الشعبي شواهدها ممتدة على كل الأزمنة المتلاحقة قال تعالى:
وَعَلامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ (16) سورة النحل. وتعارفت الأجيال المتلاحقة على أسماء النجوم التي اقترنت بمواسم فصول السنة مثل (الوسم) ونجومه نجم العواء ونجم السماك ونجم الغفر ونجم الزبانا. وكذلك فصل (الشتاء) ونجومه نجم الإكليل ونجم القلب ونجم الشولة ونجم الشبط ونجم النعائم ونجم البلدة ونجم العقارب. وهكذا لكل فصل من فصول السنة نجومه المعروفة. وأشهر الشعراء الشعبيين -على الإطلاق- في هذا الشأن الشاعر راشد الخلاوي -رحمه الله- الذي قال عنه الشيخ عبدالله بن خميس -رحمه الله- (وإذا خفيت بعض جوانب شخصية الخلاوي في بعض الأوساط.. فلن تخفي شخصيته الفلكية وتبريزه في معرفة حساب الزمن ومواقع النجوم ومطابعها ومغاربها وصلة ذلك بالثمار والنباتات ومواسم البرد والحر والأمطار وما إلى ذلك..).
لهذا بقي شعر الخلاوي على مدى ما يقرب من ثلاثة قرون مرجعاً للرواة والمتخصصين في الشأن الفلكي وهو ما يحصر (أنجم القيظ) في هذه القصيدة:
قال الخلاوي والخلاوي راشد
عمر الفتى عقب الشباب يشيب
حسبت أنا الأيام بالعد كلّها
ولا كل من عدّ الحساب يصيب
حساب الفلك بنجم الثريّا مركَّب
يحرص له الفلاح والطبيب
فالى صرت بحساب الثريّا جاهل
ترى لها بين النجوم رقيب
الى غابت الثريا تبيّن رقيبها
والى طلعت ترى الرقيب يغيب
وسبعٍ وسبعٍ عُدّ له بعد غيبته
هذيك هي الكنّه تكون مصيب
ومن بعدها تطلع وبها القيظ يبتدي
وتاتي بروق ولا يسيل شعيب
والى مضى خمسة وعشرين ليلة
ثقل القنا من فوق كل عسيب
وتطلع لك الجوزاء وهي حنّة الجمل
وتاتي هبايب والسموم لهيب
والى مضى خمسة وعشرين ليلة
يطلع لك المرزم كقلب الذيب
والى مضى خمسة وعشرين ليلة
يطلع سهيل مكذِّب الحسِّيب
والى مضى خمسة وعشرين ليلة
تلقى الجوازي طردهن تعيب
تلقى الجوازي متناحر مقيله
ليله نهار وتجتلد وتليب
والى مضى خمسة وعشرين ليلة
لاتامن الماء صيّبه يصيب
وكان في الماضي هذا الفصل من فصول العام هو فصل اجتماع الناس -حاضرة وبادية- لما لا يقل عن ثلاثة أشهر حيث يجتمع البدو الرُحّل بالحضر المقيمين بالقرى وتسمى هذه الفترة -بمقطان البادية بجانب الآبار- حيث تنقطع -بمشيئة الله- الأمطار عن الهطول وتجف المراعي إلى حين يقول الشاعر عبدالله بن سبيّل -رحمه الله-:
سَقْوى إلى جت نقضة الجزر بالصيف
وابعد ثرى نقعه وكنَّت مزونه
وجتنا جرايرهم تدق المشاريف
البيت يبنى والظعن يقهرونه
وتواردوا عدِِّ شرابه قراقيف
والعد لو هو بالفضا بشحنونه
(وتسعين ليلة) جانب العدّ ماعيف
ولا للشديد مطريِِّ يذكرونه
كما أن الصيف في مصايف المملكة العربية السعودية بهجته الخاصّة من ذلك قول الشاعر خلف بن هذال متحدثاً عن مصيف «السودة» في منطقة أبها»:
ثلجٍ على (السوده) نهارٍ من الصيف
كن ايتكسّر فيه سكّر نباتي
علّم ربوعٍ يم باريس وجنيف
يستنشقون مع أول الذارياتي
لثّيت في ذيك الطوال المشاريف
والذ وأحلى لحظةٍ في حياتي
** **
- محمد بن علي الطريّف