د. أحمد محمد الألمعي
في عالمنا العربي الكثير من الأزمات والحروب والتوترات السياسة والكوارث بأنواعها التي تؤدي إلى الكثير من الضغوط الاجتماعية والأسرية. وينشأ عن ذلك الكثير من الأمراض النفسية والاجتماعية التي تزيد من حدة التوتر في المجتمعات التي تصاب بالصدمة النفسية، والنتيجة هي الكثير من الآثار السلبية خاصة على الأجيال الناشئة في مجتمعات تعاني ثقافياً من وصمة اجتماعية عميقة تجاه الأمراض النفسية، وتتجنب الأسر العلاج، مفضلة الاستمرار في المعاناة على مراجعة الطبيب النفسي.
واضطراب ما بعد الصدمة (PTSD) هو احد اضطرابات القلق التي تنتج من تجارب مؤلمة مثل الحروب، الكوارث الطبيعية، الاغتصاب، إساءة معاملة الأطفال والزوجات، التنمر، أو حتى وقوع حادث خطير. كما يمكن أن ينتج عن التعرض المزمن لضغوط وصدمات شديدة؛ على سبيل المثال، العنف المنزلي المتكرر.
وقد بدأت الأبحاث عن اضطراب ما بعد الصدمة منذ عودة قدامى المحاربين الأمريكيين من حرب فيتنام في الستينات، والذين ظهرت عليهم اعراض توتر واكتئاب شديدين، ومن ثم تم ملاحظة نفس الأعراض في ضحايا العنف والكوارث الطبيعية وغير الطبيعية. وقد وجدت الدراسات أن شدة الصدمة وتكرار حدوثها هي أفضل مؤشر على احتمال الإصابة باضطراب ما بعد الصدمة النفسية.
وتشمل الأعراض اليقظة المفرطة، وظهور ذكريات مفاجئة تصور للضحية انه يعيش فعلياً نفس الأحداث السابقة المؤلمة، كما يتجنب الشخص كل ما يذكره بالحادث المؤلم، سواء كان موقفاً أو حديثاً أو برامج اعلامية وحتى الأنشطة والأماكن أو الأشخاص الذين يثيرون الذكريات، بالإضافة إلى عدم المقدرة على تذكر تفاصيل هامة عن الحادث المسبب للصدمة، وعدم الاهتمام أو المشاركة في الأنشطة اليومية والإحساس بعدم الارتباط والانعزال والتنميل العاطفي. كما تظهر عند المصابين بهذا الاضطراب أعراض جسدية مثل الخفقان، الارتجاف، والعرق البارد، والضيق في التنفس، والغثيان والإغماء في شكل نوبات هلع نتيجة لاسترجاع الذكريات المؤلمة.
وتشير الأبحاث العلمية إلى وجود أثر للعوامل الوراثية في الإصابة بأعراض مزمنة للصدمة النفسية بالإضافة إلى عوامل اجتماعية ونفسية أخرى. كما تشمل عوامل الخطر بأعراض الإصابة باضطراب الصدمة وجود اكتئاب يسبق التعرض للصدمة، نمط عقابي لتربية الأطفال من قبل الوالدين، الاضطرابات الأسرية المزمنة وعدم الاستقرار والعنف الأسري بالإضافة إلى عامل وجود امراض نفسية في الأسرة. كما أن هناك عوامل وقاية تمنع حدوث الصدمة النفسية مثل العلاقة الوثيقة مع الوالدين والأسرة، المستوى التعليمي العالي، الوضع الاجتماعي والاقتصادي الجيد، والوضع الأسري المستقر عاطفيا ووجود الدعم النفسي والاجتماعي.
وتؤدي اعراض الصدمة المزمنة إلى مضاعفات نفسية وطبية على المدى الطويل، فيعاني الضحايا من صعوبات شديدة في التأقلم الاجتماعي والوظيفي، كما تظهر لديهم اعراض الشخصية الحدية التي تشمل الغضب والانفعال الشديدين وايذاء النفس المتكرر والذي قد يؤدي في النهاية إلى الانتحار. كما يمكن أن تظهر لديهم اعراض سلوكيات اجرامية وعنف ضد المجتمع ويقضون فترات متكررة في السجون بسبب ادمان المخدرات أو سلوكيات اخرى غير قانونية.
وتصاب النساء اللواتي يعانين من اضطرابات ما بعد الصدمة بنسبة أكبر من المشاكل الطبية، مثل السمنة، التهابات مزمنة، يمكن أن تؤدي إلى الإصابة بأمراض القلب والسكر وغيرها من الأمراض المزمنة التي تقصر العمر الافتراضي للمصاب.
ويتحلى الأشخاص ممن تعافوا من اعراض الصدمة النفسية بالمرونة النفسية والتي تعني القدرة على التعامل مع مواقف الحياة الصعبة بنجاح. وتشير الأبحاث العلمية إلى أن الأشخاص المرنين لديهم عادة عدد من الخصائص تشمل؛ مرونة نفسية لمقاومة الضغط النفسي بشكل فعال، ويعود ذلك بشكل كبير إلى التنشئة في بيئة عائلية مستقرة داعمة نفسياً، بالإضافة إلى المهارات الشخصية الفطرية، كما يتحلون بمهارات جيدة لحل المشاكل، والقدرة والاستعداد لطلب المساعدة عند مواجهة مشاكل عويصة، التفكير الإيجابي والاعتقاد أن هناك امكانات للتعامل مع مشاكل الحياة، وجود علاقات وثيقة مع الأصدقاء وأفراد الأسرة، القدرة على التعبير والحديث للآخرين عن معاناتهم، القدرة على اللجوء لله باستخدام الصلاة والعبادات، وتجنب العيش في دور الضحايا الضعيف، وأخيراً الاستعداد والقدرة على مساعدة الآخرين.
العلاج النفسي
لعلاج الصدمات النفسية يوجد العديد من الأساليب المختلفة التي تشمل جلسات العلاج النفسي والدوائي حسب شدة الأعراض.
وتشمل جلسات العلاج النفسي العلاج السلوكي المعرفي (CBT)، والعلاج النفسي باستخدام حركة العين (EMDR) وإعادة المعالجة لإزالة القلق والصدمة المرتبطة بذكريات الحدث المسبب للصدمة، ولا ننسى اهمية العلاج الأسري والدعم من العائلة والأصدقاء. وهناك الكثير من الأدوية التي تساعد في تقليل اعراض القلق ونوبات الهلع والاكتئاب.
ولنا في نبينا صلى الله عليه وسلم قدوة حسنة في الخلق الحسن ولين التعامل {وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ} (159) سورة آل عمران، وأوصانا النبي فقال: «رفقاً بالقوارير»، «وخيركم خيركم لأهله» إلى غير ذلك من النصوص التي تنبذ العنف وتحث على حسن المعاملة.