د. عبد الله بن أحمد المغلوث
امتدت مسيرة العلاقات السعودية - العمانية منذ الدولة السعودية الأولى وحتى وقتنا الحاضر، حيث تأسست تلك العلاقات على روابط الدين والقومية والجوار، إلى جانب المواقف السياسية والاقتصادية المتبادلة بين القيادتين، إضافة إلى أن هاتين الدولتين من مؤسسي مجلس التعاون الخليجي في عام 1981م.
ويعزز العلاقات السعودية العمانية الأساس الاستراتيجي الذي يتجاوز المراحل الوقتية حيث تنطلق تلك العلاقات من روابط متينة من خلال موقع استراتيجي مهم على البحار المفتوحة حيث يقع البلدان على تماس مواقع إقليمية ودولية.. إذ تطل المملكة على البحر الأحمر في غربها وعلى الخليج العربي في شرقها، بينما تشرف سلطنة عمان على أحد أهم المضايق البحرية في العالم وشريان الطاقة للعالم وهو مضيق هرمز في أقصى شمال السلطنة وهناك المحيط الهندي وبحر العرب في شرق وجنوب السلطنة علاوة على بحر عمان والخليج العربي.
ومن خلال الموقع الاستراتيجي للبلدين الشقيقين تكونت الرؤية السياسية والاقتصادية والاجتماعية وبرزت التحركات المثمرة بين قيادتي البلدين خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وجلالة السلطان هيثم بن طارق - حفظهما الله - علاوة على المشاورات والزيارات المتبادلة بين مسؤولي البلدين خلال الشهور الأخيرة لتوثيق تلك العلاقات.
ومن العوامل التي أوجدت تناغماً سياسياً واقتصادياً بين البلدين الشقيقين ما تم رصده من تحركات دبلوماسية واقتصادية في كافة المجالات علاوة على زيارات لوزيري خارجية البلدين على مدى المرحلة الأخيرة.
وتمثل زيارة السلطان هيثم بن طارق -حفظه الله- إلى المملكة المرتقبة ولقاؤه بأخيه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، وأيضاً سمو ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان دلالة وأهمية كبيرة، وهذا يعود إلى عدة عوامل من أبرزها أن هذه الزيارة هي الأولى الرسمية منذ توليه الحكم في يناير من العام الماضي، ومن هنا فإن هذا الحدث يمثل قيمة سياسية خاصة وأن زيارة جلالة السلطان إلى بلد مهم واستراتيجي كالمملكة تمثل منعطفاً مهماً من خلال وجود رؤية عمان 2040 وأيضاً وجود رؤية المملكة 2030.
إن لقاء خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز بأخيه السلطان هيثم بن طارق -حفظهما الله- هو تتويج لعلاقات تاريخية ولمكانة البلدين الاستراتيجية على صعيد عدد من الملفات الاستراتيجية سواء فيما يخص علاقات البلدين اقتصادياً وتجارياً وفي مجال الاستثمار والتكامل اللوجستي والصناعي أو فيما يخص التنسيق السياسي الذي شهدته المرحلة الأخيرة سواءً كان في إيجاد حلول بشأن اليمن أو فيما يتعلق بالمنطقة بشكل عام مما يهدف إلى حماية الأمن والاستقرار في منطقة الخليج العربي بشكل خاص أو على مستوى العالم، بالإضافة إلى ما تهدف إليه النظرة المشتركة والحوار العميق لتحقيق مصالح دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية.
ومنذ تسلم السلطان هيثم بن طارق مقاليد الحكم، والعلاقات السعودية - العُمانية تعيش انتعاشاً ملحوظاً وتنسيقاً دبلوماسياً متزايداً على وقع زيارات قادة ومسؤولي البلدين بين الرياض ومسقط، التي كان أبرزها زيارة قصيرة العام الماضي، قام بها الملك سلمان على رأس وفد رفيع إلى مسقط، التقى خلالها السلطان هيثم لتأدية واجب العزاء في وفاة قابوس بن سعيد سلطان عُمان الراحل.
وتأتي زيارة جلالة السلطان هيثم بن طارق آل سعيد إلى المملكة استجابة لدعوة كريمة من أخيه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وتعكس عمق العلاقات السعودية - العمانية في مختلف المجالات.
وتكنّ المملكة كل تقدير واحترام لسلطنة عمان كدولة شقيقة وعضو في مجلس التعاون الخليجي، ويسعى البلدان إلى تعزيز العلاقات الثنائية بينهما في مختلف المجالات، وتطوير أوجه التعاون المشترك، بما يتناسب مع رؤية قيادتي البلدين وتطلعات شعبيهما.
ويؤكد اختيار السلطان هيثم المملكة كأول محطة في جدول زياراته الخارجية الرسمية، أهمية المملكة بالنسبة للعمانيين كشقيقة كبرى وعمق استراتيجي، تعززه الوشائج الأخوية وأواصر القربى والجوار بين الشعبين، ووحدة المصير المشترك بين البلدين.
ويعمل البلدان الشقيقان على تعزيز العلاقات الاقتصادية بينهما، والتعاون المشترك في مجال التجارة والاستفادة من الفرص الاستثمارية المتاحة، بما يخدم توجهات البلدين لتحقيق رؤية «المملكة 2030» ورؤية «عمان 2040»، وما تتضمنه الرؤيتان من مستهدفات ومبادرات للتنوع الاقتصادي.
كما يتطلع البلدان إلى أن يسهم تأسيس مجلس التنسيق السعودي - العماني في وضع رؤية مشتركة لتعميق واستدامة العلاقات بينهما، ورفعها إلى مستوى التكامل في المجالات السياسية والأمنية والعسكرية، وكذلك في مجالات الاقتصاد والتنمية البشرية، بما يخدم أهداف البلدين، ويحقق آمال وتطلعات القيادتين والشعبين الشقيقين.
وتعمل المملكة وسلطنة عمان على استكمال مشروع المنفذ البري الذي يربط بين البلدين، ومن المتوقع أن يسهم المنفذ بعد افتتاحه في زيادة حجم التبادل التجاري والاستثماري بين البلدين، كما أن هذا المنفذ سيفتح المجال أمام حركة البضائع من المملكة مروراً بالطرق البرية في السلطنة، وصولاً إلى موانئها التي ستسهل تصدير البضائع السعودية للعالم.
وبلغ إجمالي حجم التبادل التجاري بين المملكة وسلطنة عمان في عام 2020 نحو 3.36 مليار دولار، تشمل الحديد والصلب ومنتجات كيميائية عضوية، فيما بلغت قيمة الصادرات السعودية غير النفطية إلى سلطنة عمان 1.16 مليار دولار، تشمل منتجات معدنية ومصنوعات من الحديد أو الصلب والأغذية.
وعلى المستوى الاقتصادي، تحافظ المملكة وعُمان على علاقة متينة يعززها وجود البلدين كعضوين في مجلس التعاون الخليجي الذي يتبنى مبادرات مشتركة لتعزيز اقتصادات دوله. وقد شهدت الفترة الأخيرة زيارات متبادلة حيث تضمنت النقاش بين المسؤولين، فرص الاستثمار بين البلدين، في محادثات تناولت تنويع الاقتصادات والقطاعات ذات الفرص الاستثمارية، مما سيسهم في تشغيل أبناء الشعب العماني من خلال الاستثمار في سلطنة عمان وفتح مجال الوظائف لخفض نسبة البطالة.
وكان سفير سلطنة عمان في المملكة صاحب السمو السيد فيصل بن تركي آل سعيد قد أوضح في لقاء بين غرفة تجارة وصناعة عمان واتحاد الغرف السعودية تم مؤخراً بأنه من المهم جداً تحديد مجالات الحراك الاقتصادي بين البلدين.. مشيراً إلى أنه من المتوقع أن «نشهد في القريب العاجل توقيع العديد من الاتفاقيات التجارية بين البلدين والكثير من هذه الاتفاقيات التي تهم القطاع الخاص».
ونوه سعادة السفير إلى أهمية وجود إطار واضح لدور مؤسسات القطاع الخاص في الاتفاقيات التجارية، إضافة إلى تشكيل فرق قطاعية في الزراعة والتجارة والصناعة لبلورة أهداف المجلس على أرض الواقع واستثمار تقارب وجهات النظر بين البلدين لتفعيل البرامج المطروحة.
وشهدت مؤخراً تحركات سعودية - عمانية لتعزيز الاستثمارات السعودية في سلطنة عمان حيث طرح وفد عماني يضم عدداً من الجهات الحكومية والخاصة نحو 150 فرصة استثمارية في عمان تقدر قيمتها بـ15 مليار ريال سعودي في قطاعات التطوير العقاري والصناعة والسياحة والثروة السمكية والطاقة المتجددة والبتروكيماويات وذلك خلال لقاء جمع أعضاء مجلس الأعمال السعودي - العماني وعدد من أصحاب الأعمال.
** **
- عضو الجمعية السعودية للاقتصاد