لما للإبداع من طقوس خاصة غالباً ما يحرص الفنان التشكيلي على تجهيز مرسم خاص به حسب ما يتوافر له من مساحة وإمكانات، يعتني بأدق تفاصيله، وكل تجهيزاته، ليكون متنفسه وفضاءه للإبداع، يختلي فيه بنفسه، يرتب أفكاره المبعثرة، وربما يخط (اسكتشات) صغيرة لتصوره عملاً فنياً ضخماً، أو فكرة يريد حفظها ليعود إليها في وقت آخر.
ولأن الفنان هو إنسان، لكن تعبيره عن مشاعره يختلف أحياناً عن غيره في ترجمة هذه المشاعر، أو بأسلوب التعبير عنها، فالفرشاة والألوان هم أهم الوسائل لديه وأعماله الفنية هي نصوص نبعت من داخله بفرحها أو حزنها، براحتها وتعبها، وربما بخليط من مشاعر كثيرة.
وقد تمر فترات قصيرة أو طويلة على الفنان لظروف ما أو لحدث ما يجد بذلك نفسه غير قادر على الإنتاج الفني أو رسم لوحات جديدة قد يسمي البعض هذه الحالة بـ»البلوك آرت» (مع تحفظي على هذا المصطلح) وقد يبحث عن الكثير من الحلول ليخرج مما هو عليه، وهذا واحد من أهم الأسباب التي كانت سبباً لتجمع بعض الفنانين في مكان ما وإقامة ورشة فنية جماعية أو تجمع فني وذلك من باب كسر الروتين والخروج من العزلة في محاولة غالباً ما تكون حماسية وذات أثر إيجابي على الفنانين.
وفي هذه الورش يجتمع فنانون من فئات عمرية مختلفة ومدارس فنية متنوعة ليشكلوا تناغماً فنياً مميزاً وتطويراً لأساليب الفنانين.
يقول الفنان التشكيلي عادل العبيدي: هذه الورش هي متنفس للفنان التشكيلي تعطي الكثير من الحماس وتشجع الجميع على التجديد في الفن لأن الفنان التشكيلي الحقيقي هو من يستمر في التعلم طيلة مسيرته الفنية يجدد أفكاره ويطور مهاراته يفيد غيره ويستفيد منهم ومثلها يتعلم الفنان الشاب من الفنانين المحترفين بواقع خبرتهم وممارستهم الفنية، كذلك ربما يتمكن الفنان المحترف الاستفادة من الحماس والأفكار الجديدة لدى الشباب.
ويقول الفنان التشكيلي أحمد السعدي: الورش الجماعية ذات فائدة كبيرة للفنان نتبادل من خلالها الخبرات الفنية تعلمنا فيها تقنيات وأساليب فنية، فتحت لنا آفاقاً جديدة، ومن فوائد الورش أيضاً الخروج من التقوقع في مدرسة فنية محددة إلى مدارس أخرى وتجارب ثرية مر بها زملاؤنا الفنانون وقد ساعدتني هذه الورش في التطوير بشكل كبير جداً.
أما الفنان التشكيلي فهد العمار فقال: من فوائد الورش الجماعية التجارب وزيادة الخبرة والدخول في جو فني حماسي حيث يحتاج الفنان بين فترة وأخرى إلى الخروج من جو المرسم الاعتيادي وكسر الروتين وإحداث تغيير لأن هذا التغيير ذو أثر إيجابي ويعطي دفعة حماسية للعودة إلى المرسم بروح جديدة وحماس متجدد.
وقالت الفنانة التشكيلة سمر الحريّص: مثل هذه الورش التفاعلية لها أثر كبير على الفنان التشكيلي وعلى التغير في مستواه، مخالطة الفنانين والاطلاع على أساليب مختلفة عما تعود عليه الفنان تعطيه ثقافة وإثراء فنياً بحيث يستطيع أن يتطور أكثر وأسرع في هذا المجال.
وقالت الفنانة التشكيلية أمل الشمري: أنا مؤمنة بأن المشاركات الاجتماعية سواء كانت اجتماعات أو ورش عمل تعمل على تطوير الفنان وصقله، لاحظت أن احتكاكي بالعديد من الفنانين بمستويات مختلفة يثري لدي الجوانب الفنية، منها يتم تبادل الخبرات والبعض يختصر لك تجاربه.. البيئات المحفزة تثير دوافع الفنان وتدعمه وتصقل فنه مع الممارسة المستمرة.
وقالت الفنانة التشكيلية العنود المحمود: الورش الفنية تكشف الطاقات الإبداعية فناً وفكرةً وثقافة، تبادل المعلومات والطرق والتوسعة والتجديد بالفن التشكيلي.
فلكل فنان أسلوبه الخاص في طرحه الفني وتميزه عن غيره من الفنانين في معالجته للعمل الفني وطريقة تعاملة مع الألوان والأدوات والتقنية الفنية.
الورش الفنية الجماعية في غالب الأحيان نجدها ذات دافع حماسي، أداة للتشجيع، وسيلة للتعلم، أداة لاكتساب مهارات وتقنيات جديدة، محفز لابتكار أفكار، بالإضافة لكونها تغذية بصرية متعددة، فضلاً عن كونها إجازة مؤقتة للفنان من روتين مرسمه.
وقد تختلف أجواء الورش الجماعية كأن تكون في قاعات أو صالات مخصصة لهذا الغرض وقد تبنت الجمعية السعودية للفنون التشكيلية العديد من الورش بتوجيه من سعادة رئيس مجلس إدارتها الدكتورة منال الرويشد دعماً للفن التشكيلي وفنانيه كما استضافت الجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون عدداً منها وكذلك بعض الاستديوهات الخاصة والجاليريات.
ومنها ورش خارجية في الطبيعة أو المناطق التراثية يحاكي من خلالها الفنان في أعماله التشكيلية البيئة المحيطة به وقد استضافت العديد من المراكز والبلديات عدة ورش جماعية وكان لها أثر واضح فيما تحققه هذه التجميعات إضافة لتوثيق الجمال التراثي والطبيعي في المملكة في أعمال فنية تشكيلية.
** **
- عبدالله عبدالرحمن الخفاجي
تويتر al_khafajii