خالد بن حمد المالك
يحاول جبران باسيل رئيس حزب التيار الوطني الحر في لبنان، أن يسوق لنفسه ليكون خلفًا للرئيس ميشيل عون الذي لم يبق على فترة رئاسته سوى عام واحد، فظهر صهر الرئيس في مؤتمرات صحفية متكررة، وأصبح وجهًا مألوفًا في القنوات التلفزيونية اللبنانية دون ترحيب، حتى لا يكاد يمر يوم واحد دون أن يدلي بحديث أو بيان أو تصريح.
* *
غير أن الرجل الذي سقف طموحاته عالٍ لم يحسن إدارة التمهيد لمركز رئاسي مهم في لبنان، فقد ظهر عنصريًا بامتياز، ورخيصًا إلى الحد الذي ارتمى في أحضان حزب الله، وسلم صوته وتصرفاته بما يلبي ويرضي سيده وصديقه حسن نصر الله، وجاءت آخر شطحاته عندما رهن نفسه وحزبه والمسيحيين تحت تصرف أمين حزب الله ليكون الوصي في تبني آراء المسيحيين في تشكيل الحكومة.
* *
اللغة التي يستخدمها جبران، والأسلوب الذي يعتمد عليه، والأفكار التي يتبناها، والتحالفات التي أقدم عليها، كلها تبعده عن أي فرصة للوصول إلى سدة الحكم، والانتقال إلى قصر بعبدا، فلا المسيحيين راضون عنه، ولا المسلمين كذلك، فيما عدا حزب الله وأمينه العام الذين يدعمونه ظاهريًا، ولكنهم لن يوفوا بوعودهم له.
* *
اندفاع جبران الزائد، وبناء العداوات، ومحاولة استعراض القوة، والادعاء بأنه يدافع عن المسيحيين لم يقنع بها أحدًا، وما زال وكأنه يخاطب نفسه، ويتحدث وكأنه لسان الرئيس عون، وهي فترة تنتهي أهميتها بانتهاء فترة الرئيس عون، وسيكون صوت حزبه غير مؤثر أمام الأصوات الأخرى، عندما يحين موعد انتخاب الرئيس.
* *
وجبران باسيل بخصوماته مع الأحزاب المسيحية الأخرى، واندفاعه إلى التعاون مع حسن نصر الله، وافتعال الخلافات مع المسلمين السنة، بل مع رئيس مجلس النواب، رئيس أمل نبيه بري كلها تقود به إلى نسف كل ما يتطلع إليه ويخطط له، خاصة أن هناك من المسيحيين من هم عقلاء، ويتصرفون بحكمة وعقل، ولديهم من الخبرة والعلاقات الجيدة ما يجعلهم خيار اللبنانيين الأفضل لرئاسة لبنان في المستقبل.
* *
لقد عانى لبنان في عهد ميشيل عون ما لم يعانه في عهود سابقة، والسبب أنه أوكل مهامه، لصهره جبران، وجعله يستقوى على الآخرين اعتمادًا على صوت الرئاسة، بل إن بيانات قصر بعبدا تماثل تمامًا بيانات جبران وتتفق معها، ما فسره البعض على أن الحاكم الفعلي في لبنان هو جبران لا عون.
* *
وهكذا يمكن أن ينظر إلى جبران على أنه من دمر لبنان، وأعاق تشكيل حكومة سعد الحريري، ومن جر الرئيس عون إلى خصومات آخرها كانت مع رئيس مجلس النواب نبيه بري، بينما يمر لبنان بأوضاع مأساوية من إفلاس، وانهيار لليرة اللبنانية، إلى بطالة، وفقر مدقع، وامتدادًا إلى علاقات سيئة مع أشقائه العرب والخليجيين تحديدًا.
* *
وبهذه السياسة العونية - عفوًا أقصد جبران باسيل - توقف الدعم الخليجي، وانخفضت العمالة اللبنانية في المملكة ودول الخليج، وتوقفت الصادرات اللبنانية، ولم تنجح المبادرات الفرنسية في تشكيل الحكومة، وجاءت الضربة القاضية في تفجير ميناء بيروت، وتسجيل هذا العمل التخريبي إلى اليوم ضد مجهول، بفعل التغطية على الفاعل المعروف بدعم من قصر بعبدا، ثم كان الفساد وما أدراك ما الفساد.
* *
هذا هو لبنان الآن، من بلد جميل، وآسر، بلد التعايش، والحرية، والديموقراطية، إلى بلد يتجه إلى الجحيم حسب وصف الرئيس عون، وإلى بلد قد يصبح من الماضي كما يصفه الخائفون عليه، فالرئيس وحزبه وصهره ومعهم حزب الله يريدونه هكذا، تمنحهم إيران النفط كما صرح بذلك حسن نصر الله، ليكون جزءًا تابعًا لولاية الفقيه، ومكبلاً بأجندة قم، وهكذا يفعل ويتعامل غير العقلاء من اللبنانيين مع بلادهم.