م. بدر بن ناصر الحمدان
بالرغم من أن العالم والفيلسوف المصري الدكتور مُصطفى محمود -رحمه الله- قد ألّف 89 كتاباً تضمنت العديد من المواضيع العلمية والدينية والفلسفية والاجتماعية والسياسية وعدد من الحكايات والمسرحيات وقصص الرحلات، وقدّم أكثر من 400 حلقة في برنامجه التلفزيوني الشهير «العلم والإيمان». بالإضافة الى رصيد ضخم من المحاضرات والمقالات والمحتوى العلمي الفريد الذي أثرى به الساحة في تلك الفترة التي عاشها مثيراً للجدل بما كان يطرحه من أفكار خلال رحلة من العلم والأطروحات الفكرية والمناقشات الفلسفية التي كانت تنم عن مكانته العلمية الرفيعة، إلا أنه وبعد ذلك كله وفي وقفة مع النفس - كما يقول مصطفى محمود في لقاء مُسجّل ومُتداول على الإنترنيت - أنه سأل نفسه: «الله!!، وأنا في النهاية يعني هقابل ربنا بشوية كلام!، دا أنا كل محصولي من الدنيا شوية كلام...!»، ثم يشير الى أن هذا التساؤل جعله في حالة من الضيق والقلق وأن كل هذا الرصيد العلمي والفكري وحده لن يشفع له في آخرته.
نقل مصطفى محمود حواره مع نفسه الى حوار مع صديقه الموسيقار الراحل محمد عبدالوهاب قائلا له: « اسمع بقى ده كلام فاضي، مش معقول اقدر اقابل ربنا بشوية كلام»، وكان رد عبدالوهاب عليه: «طب ما أنا هقابل ربنا بشوية غُنا إيه يعني..!»، فرد عليه مصطفى محمود: «هتقابله ببلاش تبوسني في عينيه..!!، يعني بيني وبينك يا عُبَد موقفك مش مضمون»، واستمر هذا السجال بينهما الى أن أوضح مصطفى محمود أن الإنسان بحاجة الى «أعمال» وأن «الأقوال» وحدها لا تكفي، ويشير الى أن صديقه عبدالوهاب سأل ذات مرّة عن الموت وقالوا له إنه: «أمر استدعاء لمقابلة ملك الملوك». كان هذا الحوار الذاتي هو مصدر التغيير الذي حدث لمصطفى محمود وجعله يتوجه للاهتمام بالعبادات وبالأعمال الخيرية من بناء مسجد ومستشفى ومراكز ومراصد طبية وتسخيرها للناس ولعمل الخير، هذا الإيمان الذي دفع به لتقييم حصيلة ما أنجز في حياته وفرزه لأعماله التي يمكن أن يُعوّل أو لايُعوّل عليها لمقابلة ربه، يجعلنا نحن الآخرين نتأمل ونراجع رصيدنا من الإنجازات التي لن يبقى منها سوى ما كان موجها لله، عدا ذلك فكل ما سنقوم به في هذه الحياة – مهما كانت أهميته- مجرّد «شوّية كلام»، لا يمكن الاعتماد عليه متى ما صدر «أمر الاستدعاء».