عبدالوهاب الفايز
مؤلم ومؤسف أن ترى مظاهر الفقر والمرض وكل صنوف المعاناة الإنسانية في عالمنا اليوم، رغم تراكم الثروات وتقدم العلوم والتقنية!
مؤشرات التفاوت الكبير في الدخل بين الدول في عالمنا اليوم تتزايد بصورة تجعل البشرية تتجه لاستقبال المصاعب الاقتصادية والاجتماعية الواسعة إذا استمرت التداعيات السلبية المترتبة على وباء كورونا. هذه المصاعب لها جذورها ومسبباتها، ولكن الوباء سرع بروز مخاطرها، فالعالم أخذته (الرأسمالية المتوحشة) إلى مرحلة سوف تلقي بظلالها السلبية على البشرية.
الرأسمالية المنفلتة، والحروب والقلاقل والفساد أوجدت خلالا صارخًا في التنمية البشرية المستدامة أدى إلى حالة التفاوت الكبير في الدخل، وبالتالي تنامي الفقر المدقع الذي تعاني منه دول عديدة، وهذا يذكرنا بما قاله الإمام علي بن أبي طالب- رضي الله عنه-، (ما رأيت نعمة موفورة إلاَّ وإلى جانبها حقٌ مضيّع).
والعوز الشديد والتفاوت في الدخل لم يعد ظاهرة شائعة بين الدول الغنية والفقيرة، فحدود الفقر أصبحت واضحة بشكل صارخ داخل الدول الغنية. من المنظمات الدولية التي تركز على قضايا الفقر في العالم (أوكسفام)، وهي منظمة تمثل الملايين من الأشخاص ممن يشاركون المبدأ القائم على أساس (أن العالم غني بالموارد وأن الفقر ليس أمراً حتمياً).
في أحد تقاريرها الحديثة تحت عنوان «فيروس الجوع يتكاثر» ذكرت اوكسفام أن الصراعات والنزاعات لا تزال السبب الرئيسي للجوع منذ بداية الوباء، وهو الأمر الذي دفع أكثر من نصف مليون شخص إلى ظروف شبيهة بالمجاعة، بزيادة تصل إلى ستة أضعاف منذ عام 2020.
وذكر التقرير أن 155 مليون شخص حول العالم يعانون الآن من مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي، أي بزيادة 20 مليون عن العام الماضي، حيث يعاني حوالي اثنين من كل ثلاثة من هؤلاء الأشخاص من الجوع في المقام الأول لأن بلادهم في حالة حرب وصراع.
يصف التقرير أيضًا التأثير الهائل الذي أحدثته الصدمات الاقتصادية، ولاسيما بسبب جائحة فيروس كورونا، إلى جانب أزمة المناخ المتفاقمة، في دفع عشرات الملايين من الناس إلى الجوع. حيث أدت البطالة الجماعية والاضطراب الشديد في إنتاج الغذاء إلى ارتفاع أسعار الغذاء العالمية بنسبة 40%، وهو أعلى ارتفاع منذ أكثر من عقد. وبناء على التقرير لا تزال بعض أسوأ بؤر الجوع الساخنة في العالم تعاني من الصراع، بما في ذلك أفغانستان وإثيوبيا وجنوب السودان وسوريا واليمن لتشهد ارتفاعًا في مستويات الجوع الشديدة منذ العام الماضي. جنوب السودان بعد نصف مليون قتيل وأربعة ملايين مهجر يواجه السكان هناك خطر المجاعة! (ماذا حقق لهم الانفصال عن السودان؟!)
الذي يفاقم آثار الأزمات والكوارث هو سرعة تخلي المؤسسة الاقتصادية التجارية الخاصة عن مسؤولياتها الإنسانية والاجتماعية، فغريزة البقاء تحكم سلوك أصحابها، وهذا طبيعي ومتوقع ورأينا في أزمة كورونا سرعة تحرك اصحاب المنشآت الربحية لخفض التكاليف، وكانت البداية السريعة فصل الموظفين، وتدخل الحكومات الداعم هو الذي حد من الفصل السريع!
المؤسف أن أمراض الرأسمالية المعاصرة واقع سوف تواجهه الكثير من الدول. هذه يمكن تحاشيها وتقليل آثارها السلبية على الاستقرار الاجتماعي والسياسي عبر السياسات والإجراءات الحكومية التي تستوعب مخاطرها. فالتخوف من التفاوت الاقتصادي والاجتماعي بين السكان تعالجه البرامج الناجحة والمستدامة لدعم شبكات الأمان والضمان الاجتماعي، ودعم برامج التعليم والصحة والإسكان.
وهذا ما يدعو له الاقتصاديون وأصحاب الرأي الغربيون المتخوفون من تسبب الأنظمة الرأسمالية في اتساع فجوة الثروة وغياب العدالة بين الطبقات الاجتماعية. وأول من حذر من تفاوت الثراء الاقتصادي الفرنسي توماس بيكيتي مؤلف كتاب (رأس المال في القرن الواحد والعشرين) الذي يرى ـ في أطروحاته التي مازالت تستقطب الاهتمام ـ أن مكاسب الأثرياء تتزايد بوتيرة أسرع من الطبقة العاملة مما يجعل عدم المساواة مشكلة خطيرة على الاقتصاد العالمي.
التوقعات تشير إلى أن عدد الذين لديهم ثروة لا تقل عن 100 مليون دولار سوف يشهد نمواً كبيرا. أظهرت دراسة لبوسطن جلوب للاستشارات)أن عدد فاحشي الثراء في ألمانيا سيشهد نمواً بنسبة 100% خلال الفترة من 2020، وحتى 2025، حيث قدرت أن ينمو إجمالي ثروات فاحشي الثراء إلى 800 مليار دولار في أقوى اقتصاد أوروبي). وفي الولايات المتحدة من المتوقع أن تبلغ الثروات 7.8 تريليون دولار وبنمو 34.5% خلال السنوات الأربع المقبلة. وجاءت ثروات الهنود عند 1.1 تريليون دولار، بنسبة نمو 83.3%. ايضا ثروات الصينيين في وطنهم الأم سوف ترتفع إلى 6.5 تريليون دولار بزيادة 80.6%.